Atwasat

الغيبوبة

عاشور أحمد بوراشد الخميس 07 أبريل 2016, 10:00 مساء
عاشور أحمد بوراشد

نحن أعداء أنفسنا.. وطن بحجم قارة وقاطنوه أقل من ربع سكان مدينة كبيرة، بإمكانيات مادية هائلة، وإرث إنسانى حضارى غير مقروء، يمتد عبر التاريخ، وبمرجعية دينية وسطية خالية من الطائفية، وموقع جغرافي فريد يتوسط البحر الأبيض والشمال الافريقي، بإطلالة مباشرة على الجنوب الأوروبي، وتاريخ جهادي شهد به الأعداء نيابة عنا، وخارطة اجتماعية متشابكة شرقاً وغرباً وجنوباً قل نظيرها في المجتمعات المعاصرة .. فما الذي حدث؟

إن الضائقة التى يمر بها الوطن الآن والصراع على السلطة والحوار السياسى يعتبر ترجمة صادقة وتجسيد حياً لهذه الثقافة، التي أصبحت المطالبة بها حقاً مكتسباً ومشروعاً يتم المطالبة به دون خجل وعلى رؤوس الأشهاد.

تتطلع الشعوب في صراعها من أجل حريتها، وأن تكون مشاركة فى القرار السياسى الذى يحكمها في ما يعرف (بديمقراطية القرار)، إلا أن البشرية والتي تشكلت إبتداء بالأسرة تلتها القبيلة ثم المدينة وصولاً للدولة، والتي اقترنت ولادتها بآلية لإدارة شؤونها تضمن أداءها مصحوبة بالثواب والعقاب، بإعتبارها سنة كونية وهو ما يعبر عنه (بديكتاتورية الإدارة).

في غفلة من التاريخ وخلافاً لهذه الثوابت تم الإعلان في ليبيا عقب خطاب زواره في العام 1973 عندما رفع شعار (ديمقراطية الإدارة) ليتم شرعنة الجهوية والقبلية والمحاصصة ولتطبق قولاً وفعلاً على أرض الواقع لتجسد ثقافة الإلغاء والغنيمة، فغاب الولاء والانتماء للوطن، وتلاشى معياري المواطنة والكفاءة وسقطت الكلمتان تماماً من القاموس الليبي.

وعلى مدى أكثر من أربعة عقود ترسخت هذه الثقافة وأصبحت المطالبة بها حقاً مكتسباً ومشروعاً، يتم المطالبة به دون خجل وعلى رؤوس الأشهاد، عندما فؤجئنا بمن يطالب بمقابل الدفاع عن الأرض والعرض، وبمدينة تتطلع لإلتهام وطن، وقبيلة تسعى لإلتهام إقليم، وعشيرة تلغي قبيلة، وأسرة تلغي عشيرة في متـوالية مقيتـة لا نهاية لها.

إن الضائقة التى يمر بها الوطن الآن، والصراع على السلطة والحوار السياسى يعتبر ترجمة صادقة وتجسيدا حياً لهذه الثقافة، والأكثر إيلاماً فى المشهد، هو بعض أولئك الذين يتصدرون ويتحدثون بتشنج عن الوطن والمواطن بإسمه ونيابة عنه دون تخويل منه.. المواطن الذى اقتلع سنّه الذهبية، وفرح كثيراً عندما أبلغه التاجر أنها تساوى سبعين ديناراً زز قايض علبة الطماطم بعدد ضئيل من أرغفة الخبز.

وطن تلهج الألسنة بإسمه وتمزقه الأيدى إلى أشلاء فى إزدواجية صارخة تشكل تراجيديا إنسانية معاصرة.

إن الاعتراف بأن هذه الثقافة قد شكلت سلوكنا يعتبر هو الخطوة الأولى للتخلص منها لكي لا يطول عداؤنا لانفسنا.