Atwasat

ركن العامرية .. لا تلوموني

فدوى بن عامر الإثنين 25 يناير 2016, 12:53 مساء
فدوى بن عامر

لا تلوموني وأنا أقول أن حديث اليوم من أحاديث الجد المر. فليلة الجمعة الماضية كانت مليئة بالمفاجآت، في الحقيقة، كان الأسبوع كله أسبوعا تكدست فيه المفاجآت على الطريقة اللييية.

فبعد التقتيل والتفجير والتهجير والتكفير والتبذير والتجويع والتخوين والتجريم وموت آلاف الشباب الليبي، لم يرض عشاق الحرية المجيدة بتشكيلة الحكومة الجديدة ونُصبت الحواجز لمنع أي محاولة للخروج من مستنقع التهريج الليبي. يبدو أن العدد اثنين وثلاثين قد جلب لنا سوء الطالع، كما قال لي(الفقي) بعد النظر في بخوره..! أشير إلى افتقار أحد النواب لمبادئ السياسة برثائه دائرته لعدم فوزها بحقيبة وزارية!، أما أنا فأرثي لحاله بنعومة.

هو لا يعلم أن تغيير الواقع لا يكون بمجرد زرع أحدهم على تكية الوزارة ومع أنها يستحيل بها تحسين معالم الذات إلا أنها قادرة على تغيير حال الجيب وهذا لا يحدث إلا في البلاد الغارقة في تخلفها حتى نهشِ الفساد أكبادها وتجرعِ دمائها.

لن أبكي وأنا أحدثكم عن القوارير اللاتي لم يتحصلن إلا على وزارة أو اثنتين رغم اشتباك الأيادي الناعمة وشد وجذب الجدائل المكوية، برقت على إثرها الشاشات فأخذت تلوك حقوق القوارير وكأن الحقوق البديهية لهن مرعية. هي، إما لم تمتلك حقوقاً مطلقاً أو أنها فقدت النزر الذي امتلكته قبل الخطاب المجلجل. ويبقى الجلل المخجل في الصخب الدرامي الذي أثارته بعض القوارير الفطاحل ومن يدعمهن من أدعياء مناصرة حقوق النواعم من الجنس الخشن جداً على الطريقة الليبية!.

أبهرني خروجهم على الشاشات في رحلات إلهاء كامل لأذهان النواعم بالحقوق المجهرية المفقودة دون التجرؤ، لقلة الحيلة، على اقتحام الأمور الجوهرية كحقها امتلاكها لجسدها وشخصيتها وذاتها واستقلاليتها.

أما ظهر يوم الجمعة، فلم يعب عشاق الحرية المجيدة ممن يستجير بالنصوص كي يجير اللصوص، على الانهيار الأخلاقي المريع و انعدام الواعز الديني للمجتمع الليبي فاحتفت الجماعات الظلامية، متفاوتة المظاهر متطابقة البواطن، بإنجازات مثيرة كالموافقة على إلغاء القوانين المعارضة للشريعة أما عن أي شريعة يتحدث هؤلاء فيبقى ذلك سؤال المليون برميل من التبر الأسود بسعره الذي كان.

لن أبكي على العقيدة الديكتاتورية الراسخة في النواصي و طردها الحكومات أو إعلانها الانشقاقات، إنه لعمري تهالك الفكر وعجزه عن الأداء السوي. و في نهاية الأمر يبقى المجتمع محكوما بخصائص و طبائع أفراده فنحن هنا لا نتحدث عن الشعب السويسري مطلقاً.

أخبرني(الفقي)، بعد أن نظر في بخوره، أن الفرج قادم فأغضبته بقولي، و هل له قدمان يركض بهما إلينا*.! كنتُ سأرضى و إن زحف و لكن الفرج لن يأتي هكذا ولو بعد مئة منكوبة فنحن من يجب أن يهرول ليصنعه ثم يجذبه من أذنه صوبنا! فتبخر (الفقي) من أمامي مهرولاً!.

لن أبكي بل ابتسم أنا عندما أتذكر أنه موسم الشتاء في وطني. هناك حيث السماء الزرقاء البهية تمطر أحزاناً* و تزهر دموعاً تغرق فيها مآقي من تحتها كل يوم. وأرضها أيضاً أنبتت كدراً بعد أن ذرتها الرياح سقماً نستنشقه مع أوار ملايين البراميل المحروقة من الإبريز الأسود.

لا تلوموني إن ذكّرتكم بنبوءة المرحوم النيهوم عام 1968 "غداً يردمون جثته في أنبوبة المجاري، ويتفرقون في عواصم العالم لإنفاق حصيلتهم من غارة البترول فيما تعود ليبيا- مرة أخرى- إلى الصحراء المجدبة لتأكل وجبة الحلفاء مثل بقية الفقراء"!.

ويا جدتي أما سمعتِ برجالنا الأحرار جداً والصادقين جداً، وهم يُقسمون ويحنثون و(الفقي) معهم، يقّسمون ويتقاسمون ما تبقى من هيبة الركام. نظرت إليَّ و بحدة قالت "الليبيون معذورون.

هم منشغلون بفقد عقولهم كل يوم وكلٌ بطريقته. أخبريهم أن يتوقفوا عن تضييع رؤوسهم لحساب غيرهم، أخبريهم أن يلتفتوا لوطنهم ووطن أحفادهم وأسباطهم فلن يستطيعوا أبداً إبداله بوطن أجداد غيرهم، عليهم ترتيب الأولويات والأهم عليهم أن ينزفوا عرقاً من أرنبة أنوفهم لا دماً إن أرادوا أن لا يجدوا أنفسهم يوماً وقد أصبحوا كأعجاز نخل خاوية".

* مقالة للمرحوم النيهوم بعنوان الحزن وموسم السردين.