Atwasat

مسودة آل مصراته للحوار الوطني

أحمد الفيتوري الأحد 03 مايو 2015, 09:18 صباحا
أحمد الفيتوري

كنت في طرابلس الغرب في سبتمبر 2011م عقب تحريرها من احتلال القذافي، وفي دعوة غداء في بيت صديق هو كاتب وطني معروف، وبصحبة ثلة من الأصدقاء كان منهم رفيق سجن بوسليم من عقب الخروج من السجن في 3 مارس 1988 غادر البلاد للعيش في منفي اختياري ببريطانيا، وساعة الغداء كان قد عاد لتوه إلى البلاد، وعند شرب الشاي وتناول الفاكهة تم تناول أوضاع البلاد في الساعة، لكن العائد من بريطانيا شدد على أوضاع مصراته ملحا على أن على مصراتة أخذ ثأر الليبيين من تاورغاء الغادرة وأن هذا ما يعنى العدل وتثبيت أركان الثورة، وصاحبي هذا كان معروفا بتدينه وفي بريطانيا عرف بقربه من أخوان ليبيا، استغربت روح الانتقام عنده وهو من الجبل الغربي ولا علاقة له بمصراتة، وأنه عائد من بريطانيا في توه، وهو من عرفته في رفقة السجن بالتسامح والسلمية قلب بتشدده حفل الغداء إلى نكد.

حين كنا في لحظتنا تلك كان رجال من مصراتة يفرغون معسكرات القذافي في غرب وجنوب البلاد من السلاح

حين كنا في لحظتنا تلك كان رجال من مصراتة يفرغون معسكرات القذافي في غرب وجنوب البلاد من السلاح، غنيمة الحرب تدفق على مصراته، وأما فيما يخص العاصمة طرابلس الغرب فقد تم اقتسامها مع زنتان الجبل الغربي، وتركت برقة لمن يستطيع إليها سبيلا من القوى الإسلامية المسلحة، وأعلنت قوى مصراتية حربا وطنية على"إمبراطورية بني وليد القذافية" وعلى ما دعي بـ"الفدراليين البرقاويين"، حينها كان هناك قوى خارجية أوربية وخليجية وتركية تدعم مشروعا مسكوتا عنه هو دولنة مصراتة، وكان أخوان ليبيا قد تحالفوا مع رأس المال المصراتي لتحقيق هذا المشروع، أي جعل مصراته قائدة مشروع إقامة دولة فبراير الإسلامية، حين ذاك كان من يشير إلى هذا يعد من الأزلام أي اتباع القذافي، سنتخطى تفاصيل كثيرة جعلت من رجال في مصراته هم قادة اللحظة الاستثنائية تلك في تاريخ ليبيا، كان هذا عقب انهيار نظام القذافي ولجانه الشعبية وشعبه المسلح، وقيام دولة مصراتة ومؤتمرها الوطني العام ما أعطيت رئاسته لمحمد المقريف لمجرد التمويه ولتوريطه في تسويغ حرب إقامة الدولة.

لم يكن هذا مشروعا لتقسيم ليبيا كما يظهر بل لتوزيع النفوذ فيها لأجل تخريط الشرق الأوسط الجديد، ضمن مشروع دولي شعاره الفوضى الخلاقة التي جعلت من ليبيا بؤرة له في شمال أفريقيا، ثورة فبراير أهلت مصراتة لمشروع لم يكن في حسبان أحد، مستجدات أخر كشف عنها الربيع العربي ستجعل من مصراتة أداة حرب صغيرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأموال وسلاح القذافي سيكونان خير وسيلة لأجل الهيمنة والنفوذ، الثروة والسلاح والسلطة الثالوث القذافي الأشهر السنارة التي بلعها مقاتلو مصراتة، من تحولوا إلى حطب لحرب هدفها السلطة لكن حقيقتها الفوضى الخلاقة، أي مشروع تشكله المعطيات وأرض الواقع تضاريسه تنبثق من جغرافيا تتسم بالغموض للجميع : ليبيا.

منذ مطلع عام 2011م ومدينة صغيرة وقليلة السكان، مصراته تخوض حربا في بلاد شبه قارة لا حدود لها وبطبيعتها معبر، حرب وقودها شباب مصراته وزادها من دول مختلفة المصالح والأهداف، وأعداؤها المفترضون كل من توفره المنطقة في اللحظة الراهنة، وكأنما شباب مصراتة يموت في حرب الفوضى الخلاقة، التي لا يدرك ولا يعي بالضبط أبعادها من وضع استراتيجيتها فما بالك بمن هم وقودها. وتم رهن المدينة لمستقبل يومه الموت ولا أمس له، مستقبل تخلقه الفوضى وخارطة طريقه سفك الدماء لأجل سفكها وحسب، ولذلك وقعت المدينة بين أيدي مغامرين لا يعرفون من أمرهم شيئا سوى أوهام المغامرين بالارتهان الغامض لما ستفعله الأيام.

ليبيا رهينة مصراتة هذه الرهينة لعاصفة الفوضى الخلاقة، على الأرض حرب غير بينة الأهداف وحوار هدفه أن تستمر هذه الحرب، سبحة من مسودات وتسويد يتلوه تبيض وإعادة تسويد، في هذا مصراتة مجرد دوس في لعبة من في يده خيوطها لاه عنها. ولذلك ليس من خيار لمصراتة غير أن تعلن تمردها على الجميع وأن تنأى بنفسها، وفي يد مصراتة قلب الميزان لصالحها بالخروج من اللعبة الفوضوية الخلاقة، وقد ديست حتى كلَ أهلها وحتى صاروا القتلة المقتولين في زمن القتلة، حيث تحولت مدينة متوسطية تجارية وواحة عامرة إلى جبانة.

كما بدأت قادرة أن تنهي المسودة وأن تنهي الحوار وأن تنهي الاحتراب، مصراتة ليس قدرها أن تكون الضحية ولا أهلها قدرهم الموت المجاني، ذات الرمال ليست ذات للحرب كما لم تكن.