Atwasat

فازت كوريا الشمالية

فريد زكريا الإثنين 22 ديسمبر 2014, 01:23 مساء
فريد زكريا

الآن وقد اعتقد مسؤولو الاستخبارات الأميركية أن كوريا الشمالية تقف وراء الهجوم الإلكتروني على شركة «سوني بيكتشرز إنترتينمنت»، انتقل النقاش أخيرًا بعيدًا عن رسائل البريد الإلكتروني عن أنجلينا جولي إلى هذه القصة الحقيقية التي تعتبر أكثر إثارة للقلق حتى الآن. لقد هدّد واحد من أكثر الأنظمة الشريرة في العالم بإطلاق هجمات إرهابية فعّالة ضد أميركا في حال قيامها بعرض أحد الأعمال الفنية للجمهور. وقد خضع الجميع لهذا التهديد على نحو مذهل.

هب أن الحكومة الإيرانية قد هدّدت بشن هجوم إرهابي على الأراضي الأميركية إذًا، لنفترض مثلاً، كان هناك كتاب على وشك الصدور يسخر من زعيمها الأعلى. ألن نعتبر هذا بمثابة استسلام لا يُطاق لتهديدات إرهابية وانتهاك لمبادئ أساسية مثل حرية التعبير؟ في الواقع، حدث وضع مشابه إلى حد ما عندما أصدر آية الله روح الله الخميني فتواه الشهيرة ضد سلمان رشدي بسبب كتابه «آيات شيطانية» في العام 1988. واندفع جزء كبير من العالم الحر، ليس كله بالتأكيد، ليقف إلى جانب رشدي دفاعًا عن حقه في تأليف كتاب ساخر، ولو بصورة لاذعة، حول الإسلام ونبيه.

تعد كوريا الشمالية واحدة من أكثر الديكتاتوريات القمعية والوحشية في العالم

ولكن عندما نواجه ظرفًا مشابهًا تقريبًا اليوم من خلال فيلم «المقابلة» Interview من إنتاج شركة سوني، كان رد الفعل مختلفًا بدرجة كبيرة. فبعد رد شركة سوني، التي تمتلك أكبر سلاسل مسرح في البلاد، بأنها ستؤخر عرض الفيلم، صرّحت بأنها ستلغي العرض الذي كان مقررًا في 25 ديسمبر رسميًّا. لم تحتشد استوديوهات السينما الأخرى وراء سوني. (في الواقع، ذكرت مجلة «ديدلاين» يوم الأربعاء أنه قد تم إلغاء فيلم آخر من بطولة ستيف كاريل عن كوريا الشمالية). وقام نجوم فيلم «المقابلة» بإلغاء كل مواعيد ظهورهم في وسائل الإعلام.

يمكن القول إن هذا الفيلم مجرد كوميديا. لكن فيلم «الديكتاتور العظيم» The Great Dictator لتشارلي شابلن كان أيضًا كوميديا تسخر من أدولف هتلر المهووس بالشر. ويجدر بنا أن نتذكر أنه أثناء تصوير فيلم شابلن في أواخر الثلاثينات من القرن العشرين، أرادت حكومة نيفيل تشامبرلين حظر توزيعه في بريطانيا، في إطار سياستها المهادنة تجاه ألمانيا النازية. وفي الوقت الذي تم فيه إطلاق الفيلم في العام 1940، كانت بريطانيا في حالة حرب مع ألمانيا وقد تغير كل شيء.

لماذا يؤدي تهديد إرهابي من كوريا الشمالية إلى حدوث تهدئة، بينما تؤدي تهديدات من الإرهابيين الإسلاميين إلى الشجاعة والتحدي والصمود؟ أظن أن ذلك يرجع إلى أننا ندرك تمامًا همجية الإرهابيين الجهاديين. لكننا نميل إلى التفكير تجاه كوريا الشمالية بطريقة هزلية إلى حد ما: الطغاة غريبو الأطوار بقصة شعرهم الغريبة والتملق الجماعي المتزامن الغريب في الملاعب والدعاية والخطابة الرجعية.

يجب أن تجد الحكومة الأميركية وسيلة للرد على هذا العدوان على الأراضي الأميركية

في الواقع، تعد كوريا الشمالية واحدة من أكثر الديكتاتوريات القمعية والوحشية في العالم. وتشير التقديرات إلى أنها قد اختطفت آلاف الأشخاص من دول مجاورة في أعقاب الحرب الكورية، وقامت بتعريض 1-2 مليون نسمة من شعبها لمجاعة في التسعينات من القرن العشرين، وتسجن حاليًّا حوالي 100 ألف شخص في مخيمات العمال. وعيّنت الأمم المتحدة لجنة للتحقيق في أوضاع حقوق الإنسان في كوريا الشمالية. ويرسم التقرير، الذي صدر عن اللجنة في شهر فبراير، صورة لنظام لا مثيل له حقًا من حيث قسوته وقمعه المنهجيين.

إن التحدي الذي تواجهه استوديوهات السينما والمسارح لتحدٍ حقيقي لأن عليها أن تحقق التوازن بين مسألة حرية التعبير وبين السلامة والتجارة. لكنها ارتكبت خطأ أتفهّمه جيدًا. في العام 2009، نشرت مطبعة «جامعة ييل» كتابًا عن الخلاف المثير للجدل للرسوم الكاريكاتورية الدنماركية، ولكنّها امتنعت عن نشر الرسوم، المسيئة، الفعلية (للنبي محمد) بسبب مخاوف من الانتقام والعنف. وبصفتي أحد الأوصياء في مجلس أمناء الجامعة، طُلب مني الدفاع عن هذا القرار (وهو قرار لم أكن لأتخذه). ونظرًا لمخاوفي بشأن مؤسسة أكن لها عظيم الحب ومجموعة من الإداريين الذين أحترمهم كثيرًا، أدليت ببيان أدعم فيه قرارات الجامعة التي عبّرت عن أسفي عنها بشدة. يجب أن يكون الرد الصحيح آنذاك والآن هو التأكيد على حرية التعبير.

يجب أن تجد الحكومة الأميركية وسيلة للرد على هذا العدوان على الأراضي الأميركية. وإذا لم تفعل ذلك، فستفلت كوريا الشمالية بأسوأ هجماتها الإلكترونية حتى الآن، فضلاً عن أجرأ تهديد إرهابي في الآونة الأخيرة. ستمتلئ بالنصر والجراءة. وبكل تأكيد، ستلاحظ جماعات مثل تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية أن الطريقة المثلى لتخويف الدول ودفعها للخضوع هي اتباع تهديدات من نفس النوع. عند هذه المرحلة، ستنطوي قصة رسائل البريد الإلكتروني وأنجلينا جولي ورواتب المديرين التنفيذيين للأفلام على ما هو أكثر بكثير من فيلم كوميدي لهوليوود.
(خدمة واشنطن بوست)