Atwasat

بنغازي «رباية الذائح» ومجلس الأمن

أحمد الفيتوري الثلاثاء 25 نوفمبر 2014, 02:00 مساء
أحمد الفيتوري

بنغازي قبل الاسكندرية وتونس كانت هسيبريدس ،أي حيث تغرب الشمس، كانت ميناء في جنوب المتوسط اليوناني، عندئذ كانت مقر نهر الليثوس - حيث حي الليثي في المدينة الآن - نهر النسيان حيث يذهب الموتى في الميثلوجيا الاغريقية، إلى جانب أنها مقر التفاحات الذهبية.

بعدها اندست عن العيون وعن التاريخ لتنبثق في العصر الحديث، مدينة متوسطية كانت آخر ميناء عبره تم تصدير العبيد، ثم عرفت التحديث الأوربي مطلع القرن الماضي حين دكتها المدافع الإيطالية واحتلتها، حتى أنها في الحرب العالمية الثانية كانت عاصمة دول المحور في جنوب المتوسط، واتخذها رومل مقرا لقيادة قواته وكذا فعل مونتجمري ساعة حسم المعركة لصالحه، تبادل المدينة جيش ثعلب الصحراء والجيش الثامن أربع مرات، حين وجه مونتجمري بيان انتصاره إلى سكان المدينة لم يكن ثمة أحد ليطالع البيان فقد مات من مات ونزح من نزح.

الحرب لا تعقل القرارات والقوانين فهي بلا عقل، ولا تنفع انصاف الحلول في اطفاء الارهاب بل تزكيه

17 فبراير 2011 كانت مدينة الميديا والأمم المتحدة ومجلس الأمن، غدت قلب العالم عقب ثورة شعبية اندلعت في شوارعها، هذه المدينة الصغيرة في الخمسينات ظهرت بالسينما الأميركية في فيلم تدور أحداثه فيها تحت عنوان «بنغازي مدينة من لا مأوى له»، أهل المدينة يكنونها بـ«بنغازي رباية الذائح»، المدينة المعروفة بطبيعتها المتمردة العصية هي أيضًا مربية فاضلة تقوم بإيواء من لا مأوى له.

في مارس 2011 شارك تحالف دولي في الدفاع عن المدينة عقب صدور القرار 1973 من مجلس الأمن، لم تسقط المدينة في يد قوات الفاشي معمر القذافي، لكنها عقب ذلك اجتاحها فاشيون جدد هم ورثة القذافي منذ صدور القرار الأممي وحتى الساعة، والمدينة خبر في ميديا العالم باعتبارها تعيش حربًا ضروسًا وسيلاً من الاغتيالات والاختطافات والقتل وسفك الدماء ويوميًا تعيش في هكذا حال.

كانت قوات لمليشيات عدة تمخر شوارع المدينة ترفع الرايات السوداء كل يوم تقريبا، بعد ضرب التحالف الدولي لرتل القذافي في 19مارس 2011، وبعد سقوط القذافي في اغسطس من نفس العام وتحرير طرابلس وانتقال الدولة اليها، تحولت بنغازي من عاصمة للثورة الي عاصمة للقتل. «بنغازي رباية الذائح» غدت جبانة، دون أن يهم الأمر لا الشركاء في الوطن ولا الشركاء الدوليين، باتت بنغازي مأوى الإرهاب وفرجة للتفرج.

كان قرار مجلس الأمن 1973 تحصينًا للمدينة ساعة صدوره من قوى فاشية، لكن القرار من ناحية أخرى كان وبالاً على المدينة حيث تم تسليمها لقوى إرهابية

الآن صدر - مرة ثانية - قرار أممي يدين جماعة أنصار الشريعة، التي تتخذ من بنغازي رهينة، بالإرهاب، فماذا يمكن أن تعني ادانة كهذه لمدينة مسفوحة الدم؟، ماذا ستقدم لمن هو مشروع قتيل؟، ولمن يعيش في مدينة استبيحت من منظمات إرهابية دولية ومدعومة من قبل دول أعضاء في الأمم المتحدة وحليفة للولايات المتحدة؟، ماذا يمنح القرار، هل يؤمنهم من جوع ويؤمنهم من خوف؟ هل سيخرجها من «نهر النسيان»؟.

لقد كان قرار مجلس الأمن 1973 تحصينًا للمدينة ساعة صدوره من قوى فاشية، لكن القرار من ناحية أخرى كان وبالاً على المدينة حيث تم تسليمها لقوى إرهابية، في المحصلة أن بنغازي مدينة منكوبة بقرارات أممية لم تسمن ولم تغنِ من جوع، حيث على الأرض المدينة في حرب طال مداها منذ فبراير 2011 وحتى الساعة، وهنا لا يجب في بال أحد التقليل من هكذا قرار، لكن أيضًا التحذير من الارتكان إليه كمخلص، وحيث يجب على بنغازي أن لا تلدغ من مجلس الأمن مرتين.

الحرب لا تعقل القرارات والقوانين فهي بلا عقل، ولا تنفع انصاف الحلول في اطفاء الارهاب بل تزكيه، وقرار كهذا لا يكون الا حين تجفف منابع الارهاب، وأن تتوقف الدول الداعمة عن دعمه قبل أي تنفيذ للقرار، وكما أسلفنا الدول الداعمة عضوة في الأمم المتحدة وقد تكون زكت القرار في نفس اللحظة التي تقدم فيه العون للإرهاب. فهل ستتحول بنغازي من مدينة جبانة إلى مدينة تقبر الإرهاب بهذا قرار؟.