Atwasat

أرجو أن تكون في الذاكرة بقية

أمين مازن الأحد 26 مايو 2024, 04:12 مساء
أمين مازن

أعود بين الفينة والفينة إلى ما أفلحت في الاحتفاظ به من نشر بعض الكتابات التي وثّقتُ بها مشاركاتي الفكرية الخارجية، وبعض الذين يسّروا تلك المشاركات، أو قدّروا مسبقاً أهميتها، أو لنقل جدواها بالنسبة لي، ولا سيما في المغرب الكبير، ومَن قاده من الحريصين على التواصل معنا كَكُتّابٍ وطنيين كثيراً ما تعرّضنا لمحاولات التغييب المتعمّد.

أذكر على الصعيد الشخصي أول زيارة لتونس نظمها لنا رجل الأعمال المعروف السيد الهادي حمّودة، المعروف بحماسه للصحافة الوطنية وعلاقاته الجميلة مع العاملين في حقلها، وذلك عند اضطلاعه بالنقل البرّي بين طرابلس وتونس، حيث حرِصَ على أن يرتبط فتح الخط بسفر عدد من المثقفين الليبيين الذين ينشرون كتاباتهم بالصحف، إذ كان لا يوجد تنظيم نقابي يمكن التواصل معه، لذا كانت له صلات في الصحف الخاصة، وفي مقدمتها صحيفة الميدان والحرية ممن شملتهما تلك الرحلة، حيث كان فضاء قرطاج مقراً للإقامة. وقد شملت ضمن ما شملت برنامجاً خاصاً للموسيقى، لأن فندق أميلكار واحد من استثمارات الاتحاد التونسي للشغل، ومُسيره الأعلى النقابي والسياسي الكبير أحمد بن صالح، الذي أناط به الزعيم التونسي بورقيبة ثلاث حقائب وزارية، كان لها المُسير الذي لم تفُح له أي رائحة كريهة.

ففي تلك الأيام تواصلنا مع تونس الشعبية، وعرفنا ما كان يدور بها من صراع، وقدرة بعض قواها على الفرز بين الأصيل ومن دونه من الليبيين. وقد استجاب السيدان فاضل المسعودي ومحمد الطشاني للدعوة التي شملت ضمن من شملت الميدان والحرية، احتراماً للرجل الذي يعود تاريخه إلى إقدامه على نقل أعضاء المجلس التشريعي الفزاني عندما حلّته السلطة وأوشكت أن تسجن أعضاءه، فكان ذلك الموقف الذي لا يُنسى، ويصعب التصريح به في حينه، وتختزنه الذاكرة فأستدعيه وأنا أكتب عن أبرز مؤتمرات كُتّاب تونس، الذي عُقِدَ بعد حقبة وأكثر في أميلكار هو الآخر، ووجدتني كبير السرور عندما وجدت الحاضر من كُتّاب ليبيا هو الدكتور زاهر المغيربي، بينما كنت مشاركاً مثل الذين تحرص بعض الأطراف الراعية للتقليد على دعوتهم، لتعزيز المشاركة المُعبرة عن حسن استثمار الهوامش لالتقاء المنخرطين في تيارات التنوير، وتوظيف المُتاح لكل ما يحمل البداية القابلة للتطوير.

إنه التطوير الذي لا سبيل إليه سوى الاستمرارية في الحضور، والمشاركة القائمة على مراعاة شروط الاحتراف الذي يحفظ المشارك من الابتذال واصطناع الاختلاف، وتحاشي التظاهر بما يشي بالمخالفة أكثر من الحرص على الاستفادة من المشترك لمصلحة الجموع، فلا فرق إن وُجِدَت المصلحة في القبول أو الرفض. صحيح أن هذه العودة تواجه صعوبة استعادة التاريخ الذي نُشِرَت فيه المعالجة المكتوبة محلياً، لحالة الارتباك التي ابتُليَ بها التاريخ عندما انعكس عليه ذلك التذبذب الذي استبعد الهجرة النبوية بتاريخ وفاة الرسول مرة، ومولده مرات، وحظر ميلاد المسيح خشية الاستيلاب، إلا أن المراجعة لن تكون مستحيلة عند الاستعانة بالقادرين على استخراج التوافقات من المختصين.

وأخيراً، إن المستهدف من المراجعة استخراج الدلالة من الواقعة لا زمن وقوعها، لأن الأحداث أو النصوص لا يؤرخ لها بشهادات الميلاد كما هو الحال لمن كتبوا النصوص، وما حمّلوها من الرسائل، واستطاعوا أن يمرروها لتكون شاهدة لهم ومن حولهم، وحجم التيسير الذي أوجدها، والأعباء التي حملتها.

وإن كان هناك من قال إن القوانين شواهد العهد، فإن النصوص هي الأخرى شواهد المرحلة، وما بُذِلَ فيها من الجهود، وما ساد من العراقيل، وأرجو أن تكون في الذاكرة بقية.