Atwasat

الحج والسلامة

جمعة بوكليب الأربعاء 17 أبريل 2024, 07:24 مساء
جمعة بوكليب

في زمان بعيد، كان السفر إلى الحج على ظهور الجمال مضنيًا ويستغرق شهورًا. لذلك السبب، يصاب العديد من قاصدي الأراضي المقدسة بأمراض عديدة، أو يتعرضون لقطاع الطرق واللصوص. ولذا قيل إن الحج والسلامة لا يتحققان.

رئيس الحكومة البريطانية السيد ريشي سوناك، يعتبره البعض من المعلقين محظوظًا مقارنة بغيره. فهو لم يدخل البرلمان إلا في عام 2015، وبعد سنوات قليلة أصبح وزيرًا للخزانة، ثم زعيمًا لحزب المحافظين ورئيسًا للحكومة، من دون المرور بالانتخابات العامة. لكن السيد سوناك، استنادًا إلى شهادات بعض أصحابه، رئيس حكومة غير محظوظ. والسبب، لأنه ورث تركة ثقيلة من الأزمات ممن سبقوه.

تلك الشهادات مجروحة. ولا تشفع للسيد سوناك في فشله في إنجاز ما تعهد بتحقيقه من أهداف. وهي قد تعني، ضمن أشياء أخرى، أن غيره من رؤساء الحكومات البريطانية، جاءوا إلى الحكم مرفوقين بحسن الحظ، وأنهم وجدوا أمامهم دنيا واسعة وعريضة، وقضوا أوقاتًا طيبة ومبهجة في 10 داوننغ ستريت، ثم غادروه سالمين ظافرين فرحين!!

الحج والسلامة لا يتحققان معًا، كما يؤكد على ذلك المثل أعلاه، ويسيران في خطين متوازيين. وكذلك السلطة وحسن الحظ. حسنُ الحظ ليس مربوطًا بحبل أو بسلسلة إلى السلطة. وما نعرفه هو أن السلطة فرنٌ حرارته شديدة السخونة، وكلما ارتقى المنصب ازدادت درجة الحرارة علوًّا، ولا مكان فيها لشيء اسمه حسن الحظ، ومن لا يتحمل الحرارة ويخشى من الاحتراق بنارها لا يتوجب عليه الاقتراب منها.

السيد سوناك يدرك تمامًا، منذ أول خطوة خطاها قاصدًا الجلوس على كرسي رئيس الحكومة البريطانية، أن من سبقوه لم يتركوا له وراءهم حسن الحظ، بل تركة ثقيلة هائلة من الأزمات المستعصية، وأنه شخصيًا اختير من قبل نوّاب حزبه، ولم ينتخب من قبل كوادر الحزب، ولا من قبل الناخبين البريطانيين، لسبب واحد لا غير، كان قد تعهد به، وهو إعادة وضع القطار على قضبان سكة الحديد، والعودة بالأمور إلى سابق ما كانت عليه، عقب الحادث المروع الذي صادفه القطار وخروجه عن سكته، خلال قيادة السيدة ليز تراس. فما الذي تغير الآن؟ وما الذي جعل أصحابه يتذكرون أنه رئيس حكومة غير محظوظ؟ وعلى سبيل المثال، هل أن السادة تيريزا ماي، وبوريس جونسون، وليز تراس كانوا محظوظين؟ الأخيرة منهم بقيت في المنصب 44 يومًا فقط. لكنها، وهذه حقيقة، لم تضع اللوم على سوء الحظ. ولا على ما تركه لها سابقوها من تركة.

الذين من قبله، ممن قصدوا ووصلوا إلى منصب رئيس الحكومة، والذين سيأتون من بعده للجلوس على نفس الكرسي، كلهم أدركوا، ويدركون مسبقًا بالتجربة والخبرة طبيعة ونوعية الفرن الذي يريدون دخوله طواعية وبعينين مفتوحتين، وهم مستعدون لتحمل حرارة نيرانه، عملًا بالمثل «على عيون الزيت تتكل الفيتوره».

النجاح في البقاء والإنجاز، والفشل في الأداء والمغادرة، تلكم أشياء تترك للمؤرخين للخوض فيها، وكذلك لكتاب الزوايا والمقالات السياسية وغيرهم من أصحاب البرامج الإخبارية. لكن السلطة بأضوائها وامتيازاتها في ذات الوقت «نار حمراء، مش لعب» ومنصب رئيس الحكومة البريطانية، الذي وصفه رئيس الحكومة الأسبق بوريس جونسون في خطاب استقالته، بأنه «أفضل وظيفة في العالم» لم تكن يومًا السلامة وحسن الحظ ضمن مواصفات الوظيفة.

الحكمة المستنبطة من تجارب من تولوا ذلك المنصب، وأقاموا في ذلك المبنى التاريخي، هي أن يكون الراغب في المنصب قوي الشكيمة، مرتديًا جلد تمساح، وقادرًا على السيطرة وتحريك الدُمى التي تملأ غرف المكاتب من حوله في المبنى بذكاء ودهاء، حتى لا يتحول هو شخصيًا إلى دُمية بين أياديهم.

والمواصفات المذكورة أعلاه لا يملكها السيد سوناك، حسبما يذكره المعلقون السياسيون، وما يسربه وزراء حكومته وغيرهم في جلساتهم الخاصة، والبعض منهم يسربونه إلى أصدقائهم من الصحفيين، ويقوم أولئك بنشره منسوبًا إلى مصدر مقرّب من مكتب رئيس الحكومة، طلب عدم الكشف عن اسمه.

أما المدعو حسن الحظ، فإنه غير معروف عنه التواجد في مكاتب رؤساء الحكومات عمومًا. وربما يتم العثور عليه صدفة في نوادي القمار، على مناضد رمي النرد، أو لعب الورق، أو في أوراق اليانصيب. أما في المطابخ السلطوية أينما وجدت، فلا وجود إلا لأفران نار لافحة، معدّة بعناية، وراء أبواب مغلقة، لطبخ ما يتم إعداده من سياسات ومكائد ومؤامرات وحروب.