Atwasat

ضبط النفس الفلسطيني!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 16 أبريل 2024, 10:15 مساء
أحمد الفيتوري

ما متاح لي من العالم شاشة التلفزيون، التي باتت في عصر الميديا العالم، ذا المتاح يموه أن ليس لي متاح في عالم ليس لنا، دورنا فيه المتفرج، وهذه الفرجة المتاحة تكشف عن المفارقة، أن المرسل إليه ما دونه ليس ثمة مرسل. عالم المتناقضات هذا، جعلني أسبح في بحر الافتراضي الذي يعج بالدماء والأشلاء البشرية، ما تعدها الميديا-خاصة في الغرب الديمقراطي- كما دماء وأشلاء افتراضية أو حيوانية كما تردد سلطات إسرائيلية.

• المشهد الأول
هكذا كانت الشاشة ترصد الظلام المرصع بقناديل من نار، في سماء الشرق الأوسط من طهران حتى تل أبيب، منسابة عبر بغداد فدمشق وعمان، متشاركة مع فضاء صنعاء وبيروت، النيران تقابلها نيران أرضية تطلقها تل أبيب، لكن مصدر النيران الأقوى يجيء من بواخر وطائرات حلف الناتو: واشنطن ولندن وباريس وبون، ومن قواعد في عمان أو غيرها، الله أعلم بها. الشاشة حينها كادر مظلم مضاء بقناديل مسيرة، لا مثيل لها قبل بهذا الحجم والكيفية، قادمة من الشرق إلى الغرب على غير المعتاد. هكذا ذا المشهد التلفزيوني لا مثيل له في سيناريوهات الحرب، في الشرق الأوسط بل وفي العالم ما قبل العصر السبراني. العاجل الفصيح حدث فقال: ما يحدث هو الرد الإيراني على العدوان الإسرائيلي، الممثل في قصف المقر الديبلوماسي الإيراني في دمشق قبل أسبوعين، هذا الرد غير متوقع، حيث هناك أغلبية كانت توصم سلطة الملالي الإيرانية بالجبن، أغلبية من الأغلبية أوصمت سلطة الملالي ما بعد الرد بالتهور والاستعراض، وحذرت من هول الرد على الرد!.

• المشهد الأول مكرر
جو بايدن يقطع إجازته ومن طائرة الهليكوبتر ينزل مسرعا، لرئاسة جلسة لمجلس الحرب بالبيت الأبيض، فيما العاجل يتناقل الأخبار عن اجتماع لنتنياهو تحت الأرض مع مجلسه، أما قوات الحلف الأطلسي الأميركية والبريطانية والفرنسية، فكانت ساعتها تصطاد المسيرات والصواريخ الإيرانية في فضاء الشرق العربي. المشهد تقابله إعلانات، من عواصم محيط المسيرات والصواريخ، بإغلاق أجوائها في وجه الملاحة الجوية وبيانتها السياسية تردد لازمة، من لزوم ما لا يلزم، تطالب بـ(ضبط النفس). هكذا تُرجم لأول مرة الدولة اليهودية بمئات من المسيرات والصواريخ، منذ قرار تأسيسها من الأمم المتحدة مايو 1948م، وهكذا يقوم حلف الناتو لأول مرة أيضا بحمايتها بقوة مباشرة وعلنا.

والشاشة ترسل مراسيلها، كنت المتفرج دون حول ولا قوة، وأظن العالم ساعتها بقضه وقضيضه كما أنا. هذه المقاربة ستحيلنا إلى أن للمشهد مدخلا، أو المقدمة الرئيسة، يوم 7 أكتوبر 2023م ما عنونه الفلسطينيون بـ(طوفان الأقصى)، حيث في الساعات الأولى رأس جو بايدن مجلس الحرب في القدس، فيما دول حلف الناتو الأميركية والبريطانية والفرنسية والألمانية أرسلت قواتها إلى شواطيء الدولة اليهودية، فيما على أراضيها أنزلت جندا وعتادا، وعلى ذلك خاضت الجيوش حربها على غزة، ما اتهمها الشارع الغربي والأميركي بأنها حرب إبادة. منذ(طوفان الأقصى) المشهد واحد: العالم يقف على قدم واحدة، وجو بايدن يرأس مجلس حرب.

للمشهد خلفية: منذ عقود ثلاثة ونيف دفنت القضية الفلسطينية في تابوت (أوسلو)، ما اُغتيل الموقع اليهودي عليه إسحاق رابين، ثم دك في (رام الله) مقر الموقع الفلسطيني عليه ياسر عرفات، من مات مسموما حسب بعض الروايات. ظن من ظن، وبعض الظن إثم، أن فلسطين ماتت ثم نسيت، رغم المعارك والحروب التي لم تتوقف حولها منذ (أوسلو)، بل ما بعد أوسلو المفارقة ما جعل فلسطين كما لو كانت مسألة ما بعد الحداثة أي مسألة المسائل. ويثبت ويؤكد ذلك ما حصد «طوفان الأقصى» من حرب لم تشتعل مثلها منذ مايو 1948م، منذ إعلان الأمم المتحدة تأسيس دولة للبشر الذين يدينون باليهودية، ما لم يحدث في التاريخ البشري. وكما أن القضية الفلسطينية ليس كمثلها شيء كذا ما يحدث الساعة، وقت (طوفان الأقصى) 7 أكتوبر 2023م، العالم يقف على قدم واحدة وجو بايدن يرأس مجلس حرب.

• تعليق
ينقل علي السعيدي عن إدغار موران أنه «إذا كان التعقيد عنوان الواقع، فمن غير المجدي، أن ننظر فيه من زاوية أحادية، تفضي بنا إلى نتائج، وخلاصات مبسطة، تغشي الفكر وتعيق الفهم...».