Atwasat

عصب خطير بسمك الشعرة

محمد عقيلة العمامي الإثنين 15 أبريل 2024, 01:23 مساء
محمد عقيلة العمامي

لم أفكر أبدا في معجزة ترافقنا في صحونا ومنامنا! لم يخطر ببالي أبدا أن رفع سبابتي لأتوعد بها أحدا ما يتخلق من عمليات أشد دقة وتعقيدا من انطلاق صاروخ يحمل كبسولة إلى القمر! ولو لم اقرأ أخيرا عن «معجزة العضلات» في الإنسان ما خطر على بالي أن تحريك الكلب ذيله يتطلب عمليات أدق وأعقد من تركيبة القنبلة الهيدروجينية!

احتجت أخيرا إلى أن أعرف شيئا عن العضلات، فاكتشفت أن العلم لم يتمكن حتى الآن من معرفة العمليات التي تسببت في رفع جدتي رأسي من على فخذها ونحن وأطفال الجيران منسجمون وهي تحكي لنا قصة «حميدا بالسلطان» خلال رحلته إلى بلاد الهوال والغوال! قائلة: «نوض.. كراعي رقدت»، وعمري ما فكرت في سبب تنمل فخذها، وماذا حدث تحديدا لعضلاتها؟ لا أحد يستطيع أن يجيبك، يقينا، حتى العلماء المتخصصون.

العضلات تمثل أكثر من نصف جسم الكائن الحي، ويصفها أحد العلماء بأنها «أفخر ما تعرضه الطبيعة في متجرها المملوء بالعجائب»، وهي تقذف الجنين من بطن أمه، وتستمر في تحريكه إلى أن يصل، يوما ما، إلى توعد الحكومة بسبابة يده اليمنى، لأنها لم تصرف له راتبه التقاعدي، وبالتأكيد يحتاجها، لا إراديا، وهو يرفعها نحو السماء معلنا الشهادة عند تسليم روحه! العضلة نفسها هي التي ظلت تمده بحرارته الداخلية، وتوزع الغذاء، وتقذف الفائض منه، وتأتي له بالدموع، وتحريك عضلات فكه ضاحكا أو باكيا. كل حركة، مهما كانت بسيطة، هي عملية تحتاج من الباحث إلى أيام، بل أشهر، لمعرفة كيف نفذتّ.

والعضلات ثلاثة أنواع، ونظامها المعقد يهدف إلى تحويل الطاقة الكيميائية إلى طاقة ميكانيكية! وعلى الرغم من المجلدات الخيالية التي كتبت عن العضلات، فإنه لم يتمكن أحد حتى الآن من شرح عملية هز الركبة عند تفكير المرء في شيء ما، ولماذا هي ليست حركة متعمدة بل تكاد تكون ليست إرادية!

يقول دكتور اسمه «زنت جيورجي»، مدير معهد أبحاث العضلات في خمسينيات القرن الماضي، وهو بالمناسبة حائز على جائزة نوبل: «العضلات لا ترتخي تماما، لأنها مشدودة إلى حد ما كاللولب. يعني «المولا» جاهزة للحركة متى تصلها إشارة كهربائية من المخ»! وهذا العالم هو الذي اكتشف أن بالعضلات نوعين من البروتين - أكتين وميوسين – وهكذا أصبح اسم البروتين الذي تحتاجه العضلة «أكتوميوسين».

ولما واصل تجاربه باستخدام هاتين المادتين البروتينيتين، اكتشف أنهما سبب رئيسي في انقباض العضلات، فقال حينها: «لقد كانت لحظة انقباض العضلة بسبب تجربتي أكثر لحظات عمري إثارة»!. ومن تجاربه أنه جمد عضلات أرنب لمدد متفاوتة، وصلت حتى عام كامل، وما إن أمدها بالـ«أكتوميوسين» سريعا ما قفزت الحياة إلى هذه العضلات الهشة! وواصل بتجاربه إلى أن أوعية دموية في حجم الشعرة هي التي تنقل الغذاء إلى العضلة، وتعود منها بالفضلات، وأنها تنسد إن قلت الحركة، وتفتح ثانية بالتمرين والحركة.

ووجد أن موظفي المكاتب أكثر عرضة لأمراض القلب من سعاة المصلحة وسعاة البريد، وأيضا تكثر لدى سائقي الحافلات وتقل عند الكمسارية الذين يتحركون بين المقاعد، لتقاضي قيمة التذكرة. والعضلات تحتاج بالضرورة إلى الراحة، وأيضا إلى الحركة، ولذلك الرياضة مهمة للذين يجهدون عضلاتهم الدقيقة!

المحصلة مما قرأته عن «معجزة العضلات» أنه يتعين أن تنال راحتها تماما، بمعني النوم ثماني ساعات، وأن ينام المرء هادئا في فراشه: الساقان ممدودتان، والذراعان أيضا على الجانبين، في حالة استرخاء كامل، ويبدأ المرء نومه بمحاولة انكماش الأطراف وإرخائها منطلقا من القدمين، حيث يجب أن تسترخي القدمان وتُحركان!، وأيضا عضلات الظهر. وبالمناسبة، تعالج هذه العضلات بمجموعة من التمارين الرياضية.

الخلاصة.. ينبغي أن يكون ثمة تركيز حقيقي على العناية بالعضلات، بالإضافة إلى أنه بالإمكان الاستعانة بأحزمة محددة. وفي الأحوال كلها، يتعين أن نولي العضلات كافة اهتماما خاصا، خصوصا الدقيقة، فالمرء قد يعيش صحيحا إن اعتني بعضلاته الدقيقة، أو شبه ميت إن لم يعطها حقها من العناية.