Atwasat

العيد وتوابعه

جمعة بوكليب الأربعاء 10 أبريل 2024, 11:54 مساء
جمعة بوكليب

إنّه العيد وقد حلَّ بيننا. بان خيط هلاله وتأكدت رؤيته. فمرحباً، وأهلاً وسهلاً ببهاء إطلالته. وها نحن، في ليبيا، وغيرها من دول العالم الإسلامي، نلتقيه ثانيةً بعد غياب دام أحد عشر شهراً، وتتاح لنا فرصة الاحتفاء بمقدمه مجدداً.

إذاً، وداعاً شهر الصيام. صار من حقك المضي إلى حيث شئت، حتى نلتقيك في عام قادم، لو شاء الله، وأمد في أعمارنا، وجعلنا من أهل هذه الدنيا. وأنتم أيها القرّاء الأعزّاء، أينما كنتم وحللتم، تقبّل الله منكم صيامكم وعباداتكم، وكل عام وأنتم بخير. وأتمنّى على الله أن يكون عيداً ملؤه الهناء والسرور.

السؤال: كيف تتم فرحة العيد في ليبيا والعالم الإسلامي، ووسائل الإعلام الدولية، تنقل لنا، منذ ستة أشهر، كل يوم، أخباراً وصوراً للجرائم التي ترتكبها عصابات الاحتلال الصهيوني في غزة ضد النساء والأطفال والشيوخ والعجزة؟

الطريقُ إلى لقاء العيد في ليبيا، هذه المرّة، اختلفت عما سبقها. تعوّدنا، في العقد الأخير، أن الطرق التي تقود إلى الفرح بأنواعه في بلادنا لم تعد سالكة ولا آمنة. أصابها الإهمال والعطب، وأضحت كثيرة الحفر والمطبات، ودائمة الإغلاق وخطرة. وكان لزاماً على سالكيها تعلم البحث عن طرق أخرى، ربما لا تقل وعورة، على أمل أن تقيهم ما قد يعترضهم من شرور وأخطار.

ما الذي يميّز عيد الفطر هذا العام في بلادنا عن غيره من الأعوام السابقة؟ المقارنة بين عيد وآخر، إن لم تكن مفيدة، فهي بالتأكيد غير مضرة. وعلى سبيل المثال، ومن وجهة نظر شخصية، أعتقد أن قضاء شهر رمضان بكامله، من دون سماع أخبار عن اقتتال في شوارع المدن الليبية، شيء إيجابي جداً. إذ جرت العادة، في سنوات سابقة، أن الأخوة / الأعداء، تحت مختلف المسميات والرايات، يحرصون على تصفية حساباتهم الدموية في الشهر الحرام و«ينكدوا علينا».

وكان هناك احتمال للنكد، من خلال المشكلة التي انفجرت فجأة في معبر رأس اجدير، على الحدود مع تونس. تلك المشكلة تسببت في خلق حالة من ذعر بين المواطنين، كما تسببت في ظهور أرتال عسكرية كبيرة ومخيفة على الطريق من وإلى المعبر وفي غيرها. وكادت أن تتسبب في فتنة، لكن لطف الله وعنايته تدخلا، وعادت الأمور إلى وضعها السابق.

الكهرباء، خلال شهر الصوم، لم تخذل الليبيين هذه المرّة. وشكراً من القلب لكل العاملين في مؤسسة الكهرباء على جهودهم. تلك الجهود أتاحت لعديد من المدن الليبية إحياء ليالي شهر رمضان بمناشط دينية وثقافية مميزة. والذين لم تتح لهم فرصة المشاركة فيها، تابعوها باهتمام عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.

الحكومة بدورها أسهمت في فرحة العيد، بأعداد الرواتب والمنح والعلاوات للموظفين والمتقاعدين ووو..إلخ. وتمنت لهم على لسان رئيسها عيدا سعيداً. لكنها نست أن لا فائدة ترجى من عملها لانعدام وجود سيولة نقدية في المصارف الحكومية والخاصة. السيولة تتوافر في سوق العملة الواقع في الشارع الخلفي لمصرف ليبيا المركزي. يبدو أن مشكلة السيولة هذه ستبقى معنا إلى ما شاء الله. وتركت أصحاب الرواتب من موظفي الدولة «يدوروا في كُسبرة». وعلى أي حال، كالعادة، تكفّل التجار في أسواق العُملة بسد النقص، بتوفيرها لمن يرغب، وبمقابل طبعاً. التجار،

كما نعلم، ليسوا مؤسسات حكومية، ولا جمعيات خيرية. وهم بذلك يقدمون خدمة للمواطنين، كان أولى بالمصرف المركزي وغيره من المصارف توفيرها.

واللافت حقا للاهتمام، أن دار الإفتاء، أصدرت بياناً لمناسبة قرب حلول العيد، يوضح قيمة زكاة عيد الفطر. وفي البيان، حرصت الدار على بيان قيمة الزكاة، نقداً أو حبوباً لمن يرغب وبالتفصيل.

دار الإفتاء، حرصاً على مشاعر أتباع السلف الصالح من المواطنين، وشدة حساسيتهم، أوضحت، للمرّة الأولى، وبخجل ظاهر بين السطور، أن دفع الزكاة نقداً ليس بدعة كما يعتقد البعض، بل بسوابق معروفة في التاريخ. وهو أمر إيجابي جداً، لأنه، أولاً وأخيراً، أتاح للصائمين فرصة التصدق بزكاة الفطر لمن يستحقها من الفقراء نقداً، وهم كثر، من دون التعرّض للمزايدات الرخيصة. وبذلك، كفى الله الليبيين شرّ الخصام والسباب، في مواقع التواصل على الإنترنت.

أيام العيد بطبيعتها قليلة، ولا تتجاوز ثلاثة أيام. وعقب انقضائها، ستعود الدنيا إلى سيرتها الأولى، أي إلى سابق دورانها المعتاد، وما يسببه من تداعيات يومية، أجدرها بالإشارة ذلك الدواخ المتكرر والمضني يومياً. ونعود نحن كذلك إلى سابق ركضنا ولهاثنا وراءها، نهاراً وليلاً، طمعاً في اقتناص حياة هانئة، حلمنا بها، وظلت تفلت منّا، مثل فرائس مراوغة. ولأننا مسكونون بالأمل، لن نتوقف عن تكرار المحاولات.