Atwasat

البحثُ عن حلول أخرى

جمعة بوكليب الأربعاء 03 أبريل 2024, 04:36 مساء
جمعة بوكليب

القلقُ والخوف في تزايد، والصراخُ والعويل يتصاعدان حدّ الإزعاج، عبر وسائل الإعلام، وخاصة الغربية منها. والسببُ تناقص في نسبة أعداد المواليد، في أغلب الدول الصناعية، شرقاً وغرباً، في عالم تؤكد الإحصاءات السكانية الدولية أن تعداد سكانه ثمانية مليارات نسمة، أو أزيد قليلاً!

من يصدق، مثلاً، أن دولة مثل الصين، بتعداد سكاني يتجاوز مليارا وثلاثمئة مليون نسمة، بدأ ينتاب حكومتها القلق، وتقرع أجراس الخطر، بسبب تناقص نسبة المواليد الجدد؟ واليابان الدولة المجاورة للصين، لا ينقصها، في الآونة الأخيرة، سوى نصب سرادق عزاء، واستقبال مُعزّين، ولنفس السبب.

وفي الشهور الأخيرة، قلبت الأخبار عن كوريا الجنوبية الدنيا راساً على عقب، بسبب عزوف شبابها عن الإنجاب. وفي بريطانيا، رغم زيادة السكان بسبب تزايد أعداد المهاجرين، يتصاعد قلق من نقص في أعداد المواليد. وأخيراً، وخلال اليومين الماضيين، بدأ يصلنا، عبر وسائل الإعلام، عويلٌ قادمٌ من العاصمة الإيطالية روما. والأمر لا يقتصر على الدول المذكورة أعلاه.

اللافتُ في الأمر، أو بالأصح المفارقة، أن النقصَ في نسبة أعداد المواليد الجدد، في الدول الصناعية، الغربية منها والشرقية، يظهر على شكل زيادة في إحصاءات نسبة المواليد في الدول الفقيرة، وخاصة في دول أفريقيا!

الدولُ الغنية التي تستطيع توفير مستلزمات الرعاية الصحية للأمهات والأطفال وتوفير الغذاء الصحي والملبس والرعاية والعناية والتعليم تعاني من النقص. والدولُ الفقيرة التي تعجز عن توفير الغذاء لسكانها تعاني من الزيادة! هل يعني ذلك أن الثراء والفقر لا علاقة لهما بالمسألة، وأن للأزمة أسباباً أخرى؟

الحقيقة، أننا لا نسمع صراخاً وعويلاً من جانب الدول الفقيرة، بسبب الزيادة في عدد المواليد. وهذا لا يعني، نظرياً، أنّه لا توجد أزمة. بل ربما يعود عدم سماعنا بها، هو أن صراخ تلك الدول الفقيرة لا يجد اهتماما، ولا يتوفر له مكان في وسائل الإعلام الغربية. وهذا يزيد في ارتفاع نسب الاسترابة بأن الأزمة تتجاوز ثنائية الثراء والفقر. وعلى سبيل المثال، ما دور العامل الديني، والثقافات المحلية؟

في السنوات الأخيرة، بدأت أمواج هجرة غير قانونية تصل إلى دول أوروبا وأميركا وكندا وأستراليا قادمة من عدة مناطق في العالم، وخاصة من قارات أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية. تلك الموجات البشرية الهائلة أثارت الجزع والخوف في حكومات أوروبا وأميركا. وكانت سبباً، ضمن أسباب أخرى، لبروز تيارات سياسية يمينية التوجه ومتشددة، تواجدت على الهامش دوماً، وتمكنت في سنوات قليلة من التسرب إلى الساحة الرئيسة، واستغلال الأزمة، والوصول إلى الحكم في عدة بلدان أوروبية، ومنها إيطاليا. وإلى حد الآن، لم تتوقف تلك الموجات، رغم العداء الرسمي الذي تواجه به، وإن قلت أعدادها مقارنة بما حدث في العام 2015. وتمثل حالياً مشكلة لكثير من البلدان. بعضها أقامت جدراناً مسيجة بأسلاك كهربائية لمنع وصول المهاجرين إلى أراضيها، ومعسكرات لاعتقال المهاجرين.

اللافت، أن تلك الدول التي تكافح ضد الهجرة غير القانونية، هي، في الأغلب، من الدول التي تعاني ديموغرافياً من نقص في القوى العاملة الشابة، بسبب النقص في نسبة المواليد، وارتفاع في نسبة الكهول. وبدلاً من تبنّي سياسة براغماتية تستفيد فيها من الشباب المهاجر، لجأت تلك الدول إلى محاربة الهجرة تفادياً للسخط الشعبي، وإلى تبنّي سياسات تشجع الشباب على الزواج والإنجاب، وتمنح الهبات المالية وتوفر الرعاية الصحية المجانية للأمهات.

إلا أن تلك السياسات لم تؤدِ إلى تحقيق الهدف المطلوب. وهذا بدوره يقودنا إلى استنتاج أن الأزمة، فيما يبدو، لا علاقة لها بتوفير تلك المزايا من عدمها. وقرأتُ مؤخراً تقريرا في جريدة «ذا فايننشال تايمز» يتعرض للمسألة. كاتب التقرير يقول إن قرار إنجاب أطفال لا علاقة له بتوفير الدول للمنح المالية، بل للسياسات العائلية الملائمة، تلك التي تجعل من السهل على الأبوين إنجاب أطفال والاعتناء بهم، وفي ذات الوقت تتيح لهم العمل من دون خوف على أطفالهم وعلى مستقبلهم المهني.

ويضيف أن الأمهات، بشكل خاص، في حاجة إلى الاستقلالية المالية، من خلال توفير فرص العمل لهن، أكثر من حاجتهن إلى المنح المالية التي تقدمها الحكومات، هذا أولا.

أما ثانياً، يشير الكاتب إلى ما حدث من تحولات في توجهات الأفراد بسبب تغير الظروف. ويضرب مثالاً باستبيان للرأي العام أجرى في أميركا في العام 1993 حيث أكد أن 61 % من الشباب من الجنسين، قالوا إن إنجاب أطفال مهم لاكتمال الحياة. الآن، تناقصت تلك النسبة بشكل كبير، ولا تتجاوز 26 %. والكاتب لا يعارض سياسات المنح المالية العائلية، لكنه لا يراها حلاً للأزمة، ويقترح على الحكومات البحث عن حلول أخرى.