Atwasat

هل يصبح أوباما رئيسًا يركِّز على السياسة الخارجية؟

فريد زكريا الأحد 09 نوفمبر 2014, 01:00 مساء
فريد زكريا

على الرغم من الانتخابات التي جرت وقائعها هذا الأسبوع، يملك الرئيس أوباما الوقت والمجال لفعل أشياء كبيرة على مدى العاميْن المقبليْن، لكن يجب أن تكون هذه الأشياء في العالم خارج واشنطن، وسوف تكون رحلة الأسبوع المقبل إلى آسيا مكانًا مناسبًا كبداية. والحقيقة أن ما يدعو إلى الاستغراب هو أن أوباما لم يكرّس من قبل مزيدًا من الوقت والنشاط والاهتمام للسياسة الخارجية.

مبادرة أوباما الكبرى في ميدان السياسة الخارجية مبادرة قوية وذكية ومنقوصة

لقد صار الآن واضحًا منذ فترة ما أن آفاق العمل مع الحزب الجمهوري في مبادرات داخلية كبرى ضئيلة. وهذا ليس بالأمر غير المسبوق، إذ غالبًا ما تكرّس الإدارات سنواتها الأخيرة في المنصب للشؤون الدولية، وهي ساحة يكون لها فيها حرية التصرف بشكل أحادي الجانب.

لو أن أوباما يريد تحقيق إنجازات ذات شأن في السياسة الخارجية في عاميْه الأخيريْن، فسوف يحتاج أولاً إلى الانضباط الذي بدأ به رئاسته. فالتدخلية التدريجية المتصاعدة في سورية والعراق، إذا حدث واستمرت، سوف تستحوذ على انتباه البيت الأبيض، وتستغرق اهتمام الجمهور، وتستوعب موارد البلد العسكرية. زد على ذلك أنها لن تنجح، إذا كنا نعني بالنجاح انتصار القوى المؤيدة للديمقراطية في الحرب الأهلية السورية.

إن مبادرة أوباما الكبرى في ميدان السياسة الخارجية مبادرة قوية وذكية ومنقوصة، وأعني محور الارتكاز الآسيوي. فأكبر تهديد يواجه السلام والازدهار العالميين على مدى العقود المقبلة لا يأتي من عصبة من القتلة في سورية بل من علوّ نجم الصين والأسلوب الذي سيعيد به ذلك تشكيل الجغرافيا السياسية في العالم. ولو أن واشنطن تستطيع تحقيق التوازن والطمأنينة في آسيا، فسوف تساعد على ضمان ألا تصبح القارة نقطة اشتعال حرب باردة جديدة.

لكن حتى الآن يظل محور الارتكاز كلامًا أكثر منه واقع، إذ بعد الوعد بوجود عسكري أميركي أكبر في الفلبين وسنغافورة وأستراليا، ليست هناك إلا شواهد قليلة على تحقق أي من هذا على أرض الواقع. وعلى الرغم من تلقي تطمينات بأن أميركا ستكون نشطة وفعّالة على الصعيد الدبلوماسي، ما زال الدبلوماسيون الآسيويون يشكون من تفوق الصين على أميركا من حيث عدد الأفراد والأداء في مؤتمرات القمة الإقليمية. كما أجّل أوباما رحلتيْن إلى آسيا في السنوات الأربع الأخيرة.

ما سيغيّر قواعد اللعبة في الشرق الأوسط هو حدوث تقارب سعودي إيراني بوساطة من واشنطن

العنصر الأكثر طموحًا في محور الارتكاز الآسيوي هو شراكة المحيط الهادئ. وهذه الفكرة بسيطة، إذ تتلخّص في تقليص الحواجز التجارية وغيرها من العقبات التي تقف أمام التبادل التجاري بين اقتصادات المحيط الهادئ الاثني عشر، التي تشكّل 40 في المئة من إجمالي الناتج المحلي العالمي. وهذا من شأنه أنْ يعطي دفعة للنمو العالمي، لكن الأهم من هذا أنه يعزز مبادئ وممارسة الأسواق المفتوحة ويشجع الاقتصادات المفتوحة في وقت تكتسب فيه رأسمالية الدولة قوة، وتزداد فيه الحواجز القومية في كل مكان.

النبأ السار هو أن الانتصار الجمهوري قد يجعل فعلاً شراكة المحيط الهادئ أقرب إلى التحقق؛ إذ أنَّ التجارة واحدة من القضايا القليلة التي يتوافق فيها الحزب الجمهوري مع الرئيس. تكمن مشكلات أوباما إلى حد كبير مع حزبه، الذي تبنّى نظرة مستقبلية انهزامية وحمائية، متخليًا عن تراث فرانكلين روزفلت وجون كينيدي لصالح تراث بات بيوكانان. وحتى الآن، أحجم أوباما عن الانبراء للتحدي، مقتصرًا فحسب على إشارته إلى دعمه شراكة المحيط الهادئ، بدلاً من أن يلقي بنفسه في أتون هذا الكفاح.

لدى أوباما مبادرة أخرى مهمة في مجال السياسة الخارجية، وهي المفاوضات النووية مع إيران. ومن جديد نجد أن الاستراتيجية الأساسية هنا كانت ذكية، لكنها لم تنل اهتمامًا وتركيزًا رئاسييْن كافييْن. ويظل من غير الواضح ما إذا كانت إيران جاهزة لصنع السلام مع أميركا والغرب أم لا، لكنها إذا كانت جاهزة له، فينبغي أن يهدي أوباما هذه الصفقة إلى واشنطن والعالم، حتى على الرغم من أن أي اتفاق - تقريبًا - يتم التوصل إليه سوف يشجبه الجمهوريون يقينًا بوصفه خيانة، وسيهاجمه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بكل تأكيد.

الانتصار الجمهوري قد يجعل فعلاً شراكة المحيط الهادئ أقرب إلى التحقق

سيكون التحدي الدبلوماسي الأشد تعقيدًا هو العثور على طريقة للتوفيق بين هذه الصفقة وبين تحالف أميركا القائم منذ زمن طويل مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج. لكن أحد كبار أفراد الأسرة المالكة السعودية أبان لي أن بلده يدرك أنه سيكون هناك ذوبان للجليد في العلاقات مع إيران في مرحلة ما.

أمّا ما سيغيّر قواعد اللعبة بحقّ في الشرق الأوسط فهو حدوث تقارب سعودي إيراني، بوساطة من واشنطن. فهذا من شأنه أنْ يغيّر المشهد في الشرق الأوسط ويخفف من حدة التوترات ويوجِد محور تركيز مشتركًا ضد الإرهاب الجهادي.

يبدو العالم فوضويًا، والإدارة في موقف دفاعي. لكن تذكروا كيف كان يبدو شكل العالم عندما كان ريتشارد نيكسون وهنري كيسنغر يديران السياسة الخارجية. كانت أميركا في طريقها إلى خسارة حرب في آسيا نشرت فيها نصف مليون مقاتل، وكان الاتحاد السوفيتي يحرز تقدمًا باطراد، وكانت المعارضة الداخلية والمتاعب في ازدياد. فاضطر نيكسون وكيسنغر إلى سحب القوات وقبول صفقة سلام مُجحفة، لكن كما أوضح الممثل التجاري الأميركي السابق روبرت زوليك، فإنهما قرنا هذا التقهقر بسلسلة من التحركات الإيجابية الجريئة، وأعني الاتفاق على تحديد الأسلحة مع الاتحاد السوفيتي، والانفتاح على الصين، والدبلوماسية المكوكية في الشرق الأوسط. كانت النتيجة أن الناس، بحلول عام 1973، كانوا منبهرين بنشاط السياسة الخارجية الأميركية وبراعتها. وقد وصف المؤرخ جون غاديس هذا كواحد من أنجح انعكاسات الحظ بالنسبة للسياسة الخارجية الأميركية في التاريخ الحديث.

فإذا كان أوباما يريد هذا النوع من الميراث، فقد حان الوقت الآن لكي يصير رئيسًا يركز على السياسة الخارجية.
(خدمة واشنطن بوست)