Atwasat

جنرالات باكستان والكارثة

جمعة بوكليب الأربعاء 28 فبراير 2024, 07:26 مساء
جمعة بوكليب

حكاية باكستان وسيطرة جنرالات العسكر على مقاليد الأمور، مؤسفة وحزينة وطويلة. وهي حكاية ليست جديدة في عالمنا، وأنها لا تخرج عن الإطار الذي عرفناه، ويجمع داخله دولاً عديدة أخرى، أصيبت بلعنة حكم الجنرالات.

طيلة 32 عاماً ظلت باكستان تحت سيطرة جنرالات الجيش المباشرة والكاملة منذ بروزها على خريطة العالم دولة إسلامية مستقلة منذ 76 عاماً. وأيادي الجنرالات الخفية كانت ظاهرة كذلك خلال السنوات الأربع والأربعين الأخرى، ومن دون مواربة.

الهند الدولة المجاورة لباكستان، نجت، لحسن حظها، من عدوى الإصابة بتلك اللعنة، وبقي الجيش فيها خاضعاً للسلطة المدنية. لماذا نجحت الهند في كبح جماح العسكر وفشلت باكستان؟ سؤال ما زال في حاجة ماسة إلى إجابة.

ورغم ذلك فإن الهند تعاني، خلال السنوات الأخيرة، من لعنة مختلفة قد تؤدي بها إلى خروجها كلية من الإطار الديمقراطي، إذا استمر الحزب الحاكم في سياسته الحالية الهادفة إلى تحويل الهند إلى دولة هندوسية.

167 حزباً، حسبما ذكرت تقارير إعلامية باكستانية، شاركت في «مولد» الانتخابات الأخيرة التي عقدت يوم 8 فبراير 2024. واحد من أهم وأكبر الأحزاب: حزب حركة الإنصاف، الذي أسسه وقاده رئيس الحكومة السابق عمران خان حُظر من المشاركة في الانتخابات بقرار قضائي، عقب اتهام السيد خان بالضلوع في عدة قضايا جنائية، وصدور أحكام عدة ضده بالسجن لسنوات طويلة.

العلاقة بين الأحزاب السياسية وجنرالات الجيش في باكستان، تأسست منذ البداية على حق الجنرالات في التدخل المباشر، على اعتبار أن الجيش صمام الأمان من الخطر الهندي. الجنرالات حرصوا دوماً على ألا يتولى حكم باكستان رئيس حكومة من دون موافقتهم. وإلى حد الآن، تؤكد التقارير الإعلامية، لم يتمكن رئيس حكومة باكستاني واحد من البقاء في الحكم طيلة المدة المقررة. خطأ رئيس الحكومة السابق السيد عمران خان أنه حاول تخطي الخطوط الحمراء التي فرضها جنرالات الجيش، فانتهي به الحال في السجن، كما انتهى الحال بكل الذين حاولوا ذلك، من رؤساء حكومات سابقين. السيد نواز شريف زعيم حزب الرابطة الإسلامية- نواز، كان هارباً في منفى اختياري بتهمة الفساد، ومحظوراً من العمل السياسي بحكم قضائي. لكن الأحكام القضائية ضده ألغيت بأوامر من الجنرالات. وهو الآن يتمرغ دلالاً في أحضانهم، ويحظى بشرف تشكيل حكومة جديدة ائتلافية رغم أن حزبه لم ينل أغلبية في الانتخابات.

الانتخابات، هذه المرة، لم تبدأ إلا بعد أن اطمأن الجنرالات إلى أن خصمهم السيد عمران خان قد صار خارج اللعبة كلية، بوضعه وراء أسوار وأبواب السجن. ملاحقات الجنرالات لم تقتصر على السيد خان؛ بل طالت مرشحي حزبه. إذ اعتُقل البعض، وحرم آخرون من حق الترشح لأسباب واهية، مما اضطرهم إلى اللجوء إلى القضاء، وحرموا من حق الحصول على التغطية الإعلامية. وأهم من ذلك أن حظر حركة الإنصاف من دخول الانتخابات، حتم على المرشحين دخولها بصفة مستقلين. وتمكنوا من الحصول على 90 مقعداً من مجموع 266. أكثر من أي حزب آخر. وكان ممكناً وفق اللعبة الديممقراطية أن يمنحوا حق تشكيل حكومة، أو المشاركة في حكومة ائتلافية. لكن العوائق أقيمت أمامهم، بحجة أن باكستان لم تعرف طوال تاريخها حكومة يقودها مستقلون، وهو أمر يتنافي وقواعد اللعبة الديمقراطية المتعارف عليها.

لدى حدوث جريمة، يقول الفرنسيون، ابحث عن المرأة. ويمكن تعديل المثل الفرنسي قليلاً، ليتناسب ووضعية باكستان السياسية، بإحلال كلمة جنرالات العسكر مكان كلمة المرأة، لاكتشاف من يقف وراء عدم الاستقرار السياسي الذي أضر باستقرار باكستان، بما سببه من تداعيات سلبية على الحياة السياسية والاقتصادية، حيث تسير البلاد حالياً وبسرعة لافتة، في منحدر يقود إلى هاوية غير مسبوقة.
اللافت للاهتمام، أن الناخبين الباكستانيين تحدوا الجنرالات، وخرجوا في تظاهرات كبيرة، وفي مراكز الاقتراع حرصوا على منح أصواتهم إلى مرشحي حركة إنصاف، فأسقط الأمر في يد الجنرالات، خاصة بعد فشل الحزبين الكبيرين الآخرين، حزب الشعب والرابطة الإسلامية – نواز في تحقيق أغلبية برلمانية.

التقارير الإعلامية الغربية تؤكد أن هيمنة الجنرالات على باكستان تتعرض الآن إلىى تحديات غير مسبوقة من قبل الشعب. وأن الانتخابات الأخيرة كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. وبدأ المواطنون يطالبون صراحة بخروج الجنرالات من الساحة السياسية. والأخبار تتحدث كذلك عن إمكانية خروج السيد خان من سجنه وعودته إلى ممارسة السياسة، على أمل تهدئة الأوضاع.
لكن حتى ذلك، لن يفلح في إنقاذ باكستان من أزمتها الاقتصادية المزمنة وارتفاع نسبة البطالة بين شعب يصل تعداده إلى 230 مليون نسمة وأزيد، يعاني 40% منهم من الأمية، وترتفع فيه وبشكل ملحوظ نسبة الشباب، وتتقلص فيه فرص العمل أمامهم.

المراهنة على عودة الجنرالات إلى معسكراتهم والكف عن تدخلاتهم السياسية تعد خاسرة، لأن التجارب التي عرفناها في محتلف بلدان العالم التي وقعت ضحية لحكمهم أو لتدخلاتهم، برهنت على أنهم لا ينسحبون إلا بحدوث كارثة. وهي بالتأكيد قادمة حتماً في باكستان، والسؤال فقط حول توقيتها.