Atwasat

تشريح القنفذ ـ القذافي والزعماء العرب (26)

عمر الكدي الإثنين 26 فبراير 2024, 07:08 مساء
عمر الكدي

تعلق القذافي بعبدالناصر تعلق المريد بشيخه، وظل يستمع إلى خطاباته منذ أن كان تلميذًا في مدرسة سبها الإعدادية، وبعد الانقلاب ومنذ اليوم الأول أرسل آدم الحواز إلى القنصلية المصرية في بنغازي، ليؤمن أول اتصال مع زعيمه المبجل دون أن يكشف عن نفسه، وأرسل عبدالناصر فتحي الديب ومحمد حسنين هيكل الذي عاد على نفس الطائرة إلى القاهرة، كان عبدالناصر يعتقد أن عبدالعزيز الشلحي هو قائد الانقلاب، ولكن هيكل عندما عاد قال لعبدالناصر إنهم مجموعة من الشباب متعلقون بك، وفي أول لقاء بين عبدالناصر والانقلابيين طلب القذافي من رفاقه ارتداء نظارات سود عند لقاء عبدالناصر، ربما لأنهم انخرطوا في نوبة من البكاء عندما أطل عليهم عبدالناصر. في ذلك الوقت كان القذافي يحتاج إلى عبدالناصر لتأمينه، ولكن سرعان ما تغير القذافي عندما اضطر عبدالناصر إلى لجمه، بعد أن تطاول على الملك حسين في اجتماع عقد بطرابلس لدول المواجهة، ويروي عبدالمنعم الهوني أن القذافي قال له بعد زيارة للقاهرة، إن عبدالناصر بنى نظاما بوليسيا، ولو عاش عبدالناصر أطول لتفجر الخلاف بينه وبين القذافي، ويبدو أن القذافي شعر أن عبئًا ثقيلًا انزاح من على صدره بموت عبدالناصر، وخاصة بعد أن قال عبدالناصر في زيارته الأخيرة لليبيا «أترككم وأنا أقول إن أخي معمر القذافي هو الأمين على القومية العربية والوحدة العربية». هذا ما كان يحتاجه القذافي من شيخه، ليتفرغ لخليفته أنور السادات. في البداية اعتقد القذافي أن السادات رئيس ضعيف، لو أقنعه بالوحدة الاندماجية سيحكم البلدين عاجلًا أو آجلًا، ولكنه اكتشف بعد حرب أكتوبر أن السادات ضحك عليه، ولذلك احتفل بمقتله وكان يطلق عليه «المقبور السادات»، وجاء حسني مبارك الذي عرف كيف يرضي غرور القذافي، وكانت اللقاءات بينهما أشبه بمباراة بينغ بونغ، وعرف مبارك كيف يحصل من القذافي على ما عجز الرؤساء الآخرون عن الحصول عليه.

لم يخشَ القذافي رئيسًا عربيًا مثل هواري بومدين. جعل العلاقات بينه وبين الجزائر علاقة عادية تتسم بحسن الجوار، أما علاقته بالحبيب بورقيبة فكانت علاقة عاصفة. في البداية اعتقد أن بورقيبة صيد سهل، وعندما تبين له عكس ذلك وخاصة بعد أن تراجع بورقيبة عن مشروع الوحدة بين البلدين، بدأ القذافي في سلسلة التآمر على تونس، كانت ذروتها انتفاضة قفصة وانتهت العلاقة بقطيعة حتى انقلاب زين العابدين عام 1987. كان القذافي يريد من زين العابدين أن يكون مجرد تابع له، ومرت العلاقة بينهما بين شد ورد، ولكن زين العابدين بعقليته الأمنية وتربيته السواحلية عرف كيف يرضي القذافي، حتى ولو اضطر لتوسيط زوجته ليلى، واتسمت علاقته بالرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد بالبرود، بل إن القذافي سخر من بن جديد أكثر من مرة على التلفزيون، وخاصة بعد أن دخلت الجزائر في عشريتها السوداء، وقبل ذلك وجد القذافي فرصة لتطبيع العلاقات مع الحسن الثاني على حساب الجزائر، ويمكن القول إن الحسن الثاني هو القائد العربي الوحيد الذي عرف كيف يوقف القذافي عند حدوده، وأن يحصل منه على ما يريد. في أول لقاء بينهما خاطب القذافي الحسن الثاني بـ«يا أخ حسن»، فقال له أنا اسمي الملك الحسن الثاني، ولم أسمح لأحد بمخاطبتي باسمي الأول إلا ابني عمي إدريس السنوسي والحسين بن طلال. أوقف القذافي دعمه لجبهة البوليساريو وتسلم عمر المحيشي مقابل 200 مليون دولار، وطلبت* المغرب من المعارضين الليبيين مغادرة البلاد.

كانت علاقة القذافي بجعفر النميري في البداية علاقة ودية، حتى إن القذافي ساهم بشكل فعال في إحباط الانقلاب العسكري الذي قاده هاشم العطا وبابكر النور ضد نميري، عندما أنزل الطائرة التي على متنها قادة الانقلاب، المتجهة من لندن إلى الخرطوم وسلمهم للنميري، ولكن فيما بعد ساءت العلاقات بين البلدين لدرجة القطيعة، وتحول اسم النميري في الإعلام الليبي إلى الذيل نميري.

كانت علاقة القذافي بقادة الخليج سيئة وخاصة مع السعودية، فقد أطلق عليهم اسم خنازير الجزيرة، وأطلق على عُمان اسم مربط الحمير، وكان يعتبرهم رجعيين وعملاء لأميركا، ووصل التوتر إلى محاولة اغتيال الملك عبدالله، أما ملك الأردن عبدالله الثاني والرئيس السوري بشار الأسد فكان يتعامل معهما بترفع، ويخاطبهما بـ«يا ابني» ولم يأخذهما على محمل الجد.

علاقته بصدام حسين كانت علاقة غريبة، فقد اتسمت بالكراهية الشديدة من الطرفين، والمنافسة على من سيقود الأمة العربية، وفجأة تحولت إلى علاقة حب شديد بعد القبض على صدام حسين، أما بعد إعدامه فتحول إلى قديس حتى إن القذافي فكر في نصب تمثال لصدام في قلب طرابلس، ولأول مرة يشاهد القذافي وهو يبكي يوم إعدام صدام، وانعزل قرابة شهر لأن البدوي داخله أدرك بحدسه أن الدور عليه، وأن كل ما أعده صدام بخبرته في العمل السري قد ذهب سدى، فالذي بلغ على مخبئه من فريق حمايته الخاص، ومن بني عمومته، ومنذ ذلك الوقت لم يعد القذافي يثق في أحد، فسلم في كل شيء لعل رأسه يسلم، مستبعدًا أن يثور عليه الليبيون ما دام فتح صفحة جديدة مع الغرب. كان الأفضل له ولنا لو ذهب وراء حدسه البدوي.

* سلمت المغرب للقذافي واحدًا وخمسين عضوًا من أعضاء «جبهة الإنقاذ». (المحرر)..