Atwasat

الفياق (جرس مزعج)

محمد عقيلة العمامي الإثنين 05 فبراير 2024, 01:09 مساء
محمد عقيلة العمامي

لم أكن ممن يستيقظون مع الفجر، ولكنني صرت أصحو قبله بزمن يضاهي «تعسيلة» القيلولة الاضطرارية، وبعض «الغفوات» اللاإرادية! هذا الفجر تذكرت الراحل العزيز خليفة الفاخري، ألد أعداء الصحو المبكر، الذي كانت له حجج ساخرة، ولكنها مقنعة، حيث كان يقول إن الاعتقاد السائد بأن بزوغ الشمس وبداية اليوم سويعات مقدسة بصورة ما، وأنها أفضل ساعات النهار هي خدعة ابتكرها أول مزارع في التاريخ، لأنه يريد أن يحرث أو يحصد قبل ارتفاع حرارة الشمس، مستندا على نشاط حيوانات الحقل! وكان يؤكد أن مزارع العالم الحديثة تدار الآن طوال الليل والنهار! ويؤكد لنا أنه بمقدور البشر أن يديروا مزرعة للمنتجات الحيوانية والزراعية في الوقت نفسه الذي يدار به ناد ليلي!

الحيوانات تنطلق باكرا لأنه لا أحد يطربها في الليل، مشيرا إلى أن دجاج حظائر التبييض تغني وتطرح البيض طوال الليل والنهار بفضل الإضاءة الحديثة! ثم إن الحيوانات الأليفة تتحرك بعد شروق الشمس وليس قبله! بينما الحيوانات المؤذية كالعقارب والثعابين هي التي تنشط قبيل شروق الشمس، و«تنخمد» بعد شروقها.

صادفني وصف ساخر لكاتب يقول إنه ابن مزرعة، في طفولته يعرف متي تُعلف الحيوانات، ولكنها بسبب الأنوار والأصوات والموسيقي وضجيج العربات لم تعد تحافظ على مواعيد أكلها ونومها، حيث أصبحت تأكل عندما تجوع، وتستغرق في النوم في منتصف النهار، وتمضغ الأعشاب في منتصف الليل! نكاية وتحديا للشعراء والكُتاب!.

إن ساعات وحياة المخلوقات البرية مماثلة للبشر، والمخلوقات البشرية فور أن يحاصرها نظام يحد من ممارستها حياتها الطبيعية، كأن تأكل عندما تجوع، أو تنام عندما يغلبها النعاس، أو لا تصحو مثلما قرر نظام العمل والراحة والنوم، تتجه نحو تفسيرات قد لا تكون أخلاقية، أو قد تكون دينية لتكبلها، كأن نقول إن العقل أكثر صفاء في الصباح الباكر! متناسين أن العلم يقول: «الحيوية تكون في أدنى درجاتها قبل الفجر مباشرة. وعمليا، تعد الساعات الأولى للنهار أقل إنتاجا بالنسبة للعمل العضلي».!

ويستمر هذا المقال يصف بسخرية كيف أن الإبداع الصحفي يتحقق في صحف النهار التي تعد في الليل، وليس في صحف المساء التي تعد في النهار! وأن المسرح وحفلات الموسيقي لا يؤتى أروعها إلا في الليل. أما حفلات النهار فهي للأطفال.
ويمضى النص متسائلا: هل من الممكن أن يجيد المتبارون في كرة القدم اللعب في الصباح الباكر؟ وفوق ذلك هل يستمتع المشاهدون بهذه المباراة؟ وهل ينفجرون بهجة عندما يسجل لاعبهم المفضل الهدف، أو يسقط ملاكم ناديهم خصمه ساعة الإفطار الصباحية؟

ثم هل سمعنا عن اجتماع مهم لأية وزارة في حكومات العالم كافة اجتمعت في الفجر؟ الطبيعي أو ما يحدث هو أن مثل هذه الاجتماعات تقام بعد الحادية عشرة، ولعله من المفيد أن نعلم أن البرلمان البريطاني لا يجتمع قبل موعد الشاهي، وهي فترة العشية. وهل ثمة سوق مالي يباشر أعماله قبل الساعة العاشرة صباحا؟ ولو كان الصباح الباكر أفضل أوقات العمل لفتحت أسواق المال أبوابها بعد صلاة الفجر مباشرة!

نحن مستمرون في النهوض مبكرا، ولكن ماذا لو تأجلت بداية النهار قليلا؟! ماذا لو صحونا مثلما يفعل أغلب الناس أيام العطلات؟! ماذا لو تأجل نشاط الناس إلى ما بعد الظهر وتخلصنا من رنين أجراس «الفياق»؟! في تقديري أننا سوف نتخلص من العبوس والتكشيرة الصباحية!