Atwasat

الفيلق الأفريقي وسيناريو الحرب العالمية الثالثة

وسام عبدالكبير الأحد 14 يناير 2024, 08:25 مساء
وسام عبدالكبير

كثر الحديث حول مشروع الفيلق الأفريقي الذي تعمل روسيا على تأسيسه بحلول منتصف العام الجاري، ليكون بديلاً لمجموعة فاغنر، مما يعني أن التواجد العسكري الروسي في أفريقيا سيكون بصورة رسمية.

وحسب تسريبات الصحافة الروسية المقربة من وزارة الدفاع فإن الفيلق الأفريقي سيتواجد في خمس دول أفريقية، وأن وحدات الفيلق الأفريقي تخطط للانتشار في ليبيا وبوركينا فاسو ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى والنيجر، وهو ما يعني سعي روسيا إلى زيادة نفوذها في القارة الأفريقية في مواجهة الحضور الغربي.

تهدف روسيا من التغلغل في القارة الأفريقية إلى تنصيب حكام جدد يراعون مصالحها، وللحد من نفوذ الدول الغربية وإنهاء حقبة أفريقيا الفرنسية.

المشروع الروسي لا يزال في بداية الانتشار، لذلك سيساهم الفيلق الأفريقي في إحكام السيطرة الروسية على مصادر الثروات والأنظمة السياسية في القارة الأفريقية، مما يجعل من تأسيس الفيلق الأفريقي مصدر خطر على المصالح الغربية، ويُهدد ما تبقى من النفوذ الفرنسي في تشاد والغابون وساحل العاجل وغيرها من الدول الأفريقية، وعلى خلاف فرنسا تُفاخر روسيا بأنها لا تملك ماضياً استعمارياً في أفريقيا، وهي نقطة جاذبة للأفارقة الباحثين عن حليف جديد يحقق لهم بعض المكاسب.

تعود فكرة تأسيس الفيلق الأفريقي إلى زمن الحرب العالمية الثانية، والصراع في ليبيا وشمال أفريقيا ما بين قوات الحلفاء ودول المحور، بعد هزيمة إيطاليا في شمال أفريقيا وخروجها من برقة، رأت ألمانيا مساعدة إيطاليا في استعادة برقة وطرد بريطانيا من مصر، والسيطرة على جنوب البحر المتوسط. وفي يناير 1941 أصدر هتلر أوامره بتشكيل قوة عسكرية وإرسالها إلى ليبيا. من هنا تأسس الفيلق الألماني الأفريقي، واختير اللواء روميل قائداً له .

في مارس من نفس العام وصلت طلائع الفيلق الأفريقي الألماني مدينة طرابلس بقيادة روميل، وبعد سلسلة من المعارك ما بين الفيلق الأفريقي والقوات البريطانية، تمكن الفيلق الأفريقي من دحر قوات الحلفاء والسيطرة على طبرق في يونيو 1942.

بعد السيطرة على برقة اتجه روميل إلى العلمين، حيث خاض معركة مفصلية مع قوات الحلفاء، كان مؤشر القوة يميل لصالح قوات الحلفاء، واستطاع الجيش الثامن البريطاني حسم المعركة لصالحة بدعم من الولايات المتحدة الأميركية، وأجبرت قوات الحلفاء روميل على الانسحاب غرباً، لينتهي وجود قوات الحلفاء والفيلق الأفريقي في ليبيا وشمال أفريقيا.

واليوم مع استمرار الصدام ما بين روسيا والغرب في أوكرانيا، واشتعال الصراع في منطقة الشرق الأوسط، والقتال الدائر منذ أشهر في السودان، والعدوان الصهيوني على غزة وتداعياته على كامل المنطقة، من لبنان مروراً بسورية والعراق وإيران، وصولاً إلى اليمن، مع احتدام صراع النفوذ بين روسيا والغرب في دول الساحل والصحراء الأفريقية، بعد مالي وبوركينا فاسو وأفريقيا الوسطى، النيجر في طريقها إلى حاضنة الدب الروسي، بعد إخراج القوات الفرنسية منها.

استمرار تمدد روسيا عسكرياً وتغلغل التنين الصيني اقتصادياً، يشكلان أكبر تهديد للنفوذ الغربي في أفريقيا.
ومع تراجع النفوذ الفرنسي، برز جيل أفريقي جديد يرفض استمرار الهيمنة الغربية، مع تغير ميزان القوى وبروز لاعبين جدد في أفريقيا.

إن توسع مناطق الصراع ما بين الأقطاب الدولية يشبة إلى حد بعيد إرهاصات الحرب العالمية الثانية، مع تغير خارطة التحالفات الدولية، روسياً عسكرياً والصين اقتصادياً في مواجهة حلفائهما السابقين الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا، في حين أصبحت ألمانيا طرفاً رئيسياً في التحالف الغربي بالإضافة إلى إيطاليا.

يستحضر الهجوم الروسي على أوكرانيا احتلال ألمانيا لبولندا التي كانت بمثابة نقطة انطلاق الحرب العالمية الثانية.

مسرح صراع دولي متشابك من أوكرانيا إلى غزة وصولاً إلى دول الساحل الأفريقي، وبالتالي فإن استمرار الحرب في أوكرانيا، يزعزع استقرار منطقة الشرق الأوسط ، ويزيد من حدة التنافس الروسي مع الغرب في أفريقيا، وبالمقابل فإن التمدد الروسي في أفريقيا ستكون له انعكاسات على الحرب في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط، مع الأخذ في الاعتبار وجود إيران كحليف استراتيجي لموسكو في المنطقة بإمكانها خلط الأوراق وتخفيف الضغط ضد أي تصعيد محتمل من التحالف الغربي في أوكرانيا.

هل تنجح روسيا في بسط سيطرتها على دول الساحل والصحراء الأفريقية وتُحجم النفوذ الغربي، أما أن للقوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا رأياً آخر، ويكون مصير الفيلق الأفريقي مشابهاً لمصير الفيلق الألماني في الحرب العالمية الثانية.

انتشار روسيا عسكرياً في أفريقيا عبر الفيلق الأفريقي، سيدفع التحالف الغربي إلى زيادة الدعم العسكري لأوكرانيا، وهو الخيار المتاح للدول الغربية في ظل غياب استراتيجية واضحة للويات المتحدة الأميركية لمواجهة التوسع الروسي في أفريقيا.

وبالمقابل تُعول موسكو على تململ اقتصادات الدول الغربية حيال دعم أوكرانيا، مع تزايد الشعور بخيبة الأمل من الدعم الذي قدمته العواصم الغربية إلى كييف دون أن يحدث نتائج ملموسة على الأرض، بالإضافة إلى تزايد مخاوف أوكرانيا من توقف المساعدات الأميركية بسبب ازدياد معارضة الجمهوريين في الكونغرس لاستمرار الدعم لأوكرانيا دون وجود استراتيحية واضحة للنصر.

كانت خسارة الفيلق الأفريقي لمعركة العلمين ضد الحلفاء نقطة تحول كبيرة في الحرب العالمية الثانية، مهدت الطريق إلى إسقاط نظام موسوليني في إيطاليا، وإعادة تشكيل النظام الدولي من جديد. فهل تشهد صحراء أفريقيا مواجهة عسكرية بين روسيا والتحالف الغربي تُغير قواعد النظام الدولي، وهل ينحج الفيلق الأفريقي الروسي في تحقيق الانتصار على الحلفاء.