Atwasat

النقد أنثوي!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 02 يناير 2024, 12:59 مساء
أحمد الفيتوري

أعترف بأنني لم أقرأ كثيراً ليُمنى العيد، لكن قرأت كثيراً عن يمنى العيد، مثل أن أول امرأة أقرأ لها في النقد واللغة «روز غريب»، لكن لم أقرأ عنها إلا النزر القليل، واليوم لم يعد أحد يذكر «روز غريب»، من عرفت في مقتبل العمر. لكن يمنى العيد قامة في النقد الأدبي، ما بدا لي أنه صناعة عربية نسائية باقتدار، منذ نازك الملائكة، إلى خالدة سعيد، سيزا قاسم، فريال غزول، وغيرهن.

لكن رغم هذا التميز الملحوظ للمرأة العربية الناقدة، فإننا في الوقت نفسه لا نجد أي احتفاء أو اهتمام بحثي، وخاصة في الجانب الأكاديمي، بهذه الظاهرة العلمية المستحقة. وقد يكون من دواعي ذلك، أن ليس هناك نتاج في نقد النقد، في الحالة الثقافية العربية، لكن ذلكم جهد وعمل مستحق، عدم الالتفات إليه يدلل على تقصير فادح، يفضح الاهتمام السطحي بالنقد وبالمسألة النسوية.

وحتى الاحتفاء والاهتمام الاستثنائي، بالناقدة المميزة وغزيرة الإنتاج يمنى العيد، لا يتجاوز الصحافة الثقافية والإعلام. في حين ما أنتجته يمنى العيد غزير ومعمق، وفيه الجانب التطبيقي، يغطي إبداعات عربية متنوعة، مما يعني أن دراستها وتدريس كتبها، سيعني أيضاً الاهتمام بالجانب النقدي، لنتاج أدبي في هذا البلد أو ذاك.

أما بخصوص كتاباتها النقدية حول الرواية العربية، فيغني المكتبة العربية، ويمنح المؤسسات العلمية والبحثية مرجعاً، يتميز بمنهجية علمية معمقة، ويستند على نتاج نظري، أنتجته ذات الكاتبة كما أشار لذلك مدحت صفوت: «مع مطلع الثمانينيات بدأ المنهج البنيوي في الانتشار عربياً، وقت أن رفعت النظرية الغربية «العلمية والمنهجية الصارمة» شعاراً، وخضع النص الأدبي للتحليل العلمي، وقبل أن تأتي استراتيجيات ما بعد الحداثة، بخاصة التفكيك مع الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا، لتعمد على الانتقاص من قدر الدعاوى العلمية. حينها، قدمت الناقدة العربية «تقنيات السرد الروائي في ضوء المنهج البنيوي» 1990، ليبدو كتاباً تعليمياً، وصياغة في السياق المعرفي للحركة النقدية العربية، ومحاولة لتمهيد الأرض نحو إنتاج مرتكز معرفي، يساعد على تطوير التجربة النقدية».

وبهذا سنجد تكاملاً، نادر مثله في الثقافة العربية، خاصة وأنه يسلط الضوء على المنتج الإبداعي العربي الحديث، ما لم يدرس بمنهجية، فالكثير مما كتب مقالات نقدية، مستهدف منها الكتابة للجرائد الثقافية، وليس للمجلات النقدية المحكمة القليلة أصلاً. ومن هذا فإن الالتفات إلى يمنى العيد، سيعني أننا ندرس أوجه عدة، للإنتاج الإبداعي ما تناولته، وللنظرية النقدية، والمنهجية التي تناولت من خلالها هذه الأعمال، وعندئذ نسلط الضوء على جهد امرأة متفردة قلّ نظيرها في الثقافة العربية، وإن ركزنا النظر، سنلاحظ أن مقارباتها ومفاعيلها شُغل مؤسسة، فتكون في هذا المفرد بصيغة الجمع.

وما لا يُطال كله لا يترك كله، أو كما يقال، فإصدار كتب، تجمع الدراسات والمقالات الجادة وذات الجهد العلمي، مما كتب حول العملية النقدية ليمنى العيد، أو حتى كتاب واحد، فإن هذا يوفر للبحاث مختارات، تقلل من تضييع الوقت والجهد. أما إقامة حلقة دراسية حول نتاجها، فهذا كما نعرف من لزوم ما يلزم علمياً وموضوعياً، ومن خلال هكذا حلقة دراسية، لا بد أن البحث العلمي، سيبحث في الظاهرة النقدية النسائية العربية، وطبعاً نشير هنا إلى ظاهرة علمية لافتة للنظر، وليس من خلال نظرة جندرية فحسب، وأيضاً الاهتمام بالجانب الجندري للمسألة، هو نظرة موضوعية تحتاج لوقفة علمية وتأملية فلسفية اجتماعية. وإن دراسة ونقد يمنى العيد، بمثابة دراسة وبحث في النقدية العربية، وتلاقحها مع المنتج النظري الغربي كالبنيوية مثلا، وبالتالي تخريط هذا التلاقح، فمعرفة المثالب، والاجتهاد في العملية النقدية التطبيقية بالذات.

لقد كتب رئيس الوزراء الإسباني الأسبق رودريغوز ثاباتيرو «إن بورخيس، من خلال نتاجه الأدبي، منحني عناصر مهمة في وظيفتي السياسية، وهي: الهدوء، والمهارة لرؤية مستقبلية بعيدة المدى. إن بورخيس إله الأدب في نظري، فحين درست القانون كنت مفتونا به، وبالسمات التي تجلت في قصصه الشهيرة «الألف»، وهي قصص الحبّ التي سكنتني». وبهذه الروح يجب ما يجب: قراءة ودراسة يمنى العيد، من وهبت الروح للروح النقدية، المهمة الأساس والقاعدة الفُضلى، فالممارسة الصعبة.