Atwasat

انتظار

منصور بوشناف الخميس 21 ديسمبر 2023, 07:27 مساء
منصور بوشناف

بين مسرح الكشاف ومسرح كلية الهندسة بطرابلس توزعت عروض مهرجان المسرح الوطني، ستة عشر عرضا مسرحيا قدمها مسرحيون من مدن ليبيا. أكثر من مائتي فنان ليبي التقوا بطرابلس ليعيدوا الحياة لمهرجان توقف لأكثر من عقد من الزمان، والأهم ليرى المتلقي الليبي والمتابع صورتنا كما يرسمها مسرحنا.

رغم كل الظروف الصعبة التي ظل المسرح الليبي يعانيها عبر رحلة وجوده الملحمية إلا أنه ظل مخلصا ومعبرا عن هموم وآمآل وحتى أوهام شعبه منذ الاحتلال الإيطالي وحتى اليوم، فكان المعبر عن التمسك بالهوية والتطلع للحرية والعدالة والجمال.

المسرح الليبي، وكغيره من مؤسسات المجتمع الحديث، كان ومنذ ولادته وحتى اليوم يصارع من أجل شرعية وحق الوجود. فرغم كل ما قدمه هذا المسرح لا زال يناضل من أجل الاعتراف بحقه وضرورة وجوده للقيام بدوره الاجتماعي.

في دورة مهرجانه الأولى بعد ثورة فبراير يظهر المسرح الليبي من تحت ركام الحروب والصراعات نازفا يحاول تجميع أشلائه التي تناثرت فوق ذلك الركام الهائل من الموت واليأس، محاولا تفكيك ألغام التفتت واللاجدوى وتمهيد الأرض من جديد لبناء كيان جديد.

ستة عشر عملا مسرحيا قدمتها فرق ليبية لم تقُل في النهاية إلا أننا لسنا بخير، وتوشك بلادنا أن تتحول إلى قبر لنا ولكل أحلامنا وآمالنا، ورغم كل ذلك فإننا سنخرج ونعود للحياة.

أصوات الرصاص والأعاصير كانت المؤثرات الصوتية الأكثر حضورا في تلك العروض وكان التوتر والقلق والخوف ونبرة اليأس وأيضا الغضب ثم التشظي وشتات الكلام سمات الحوار والمناجاة المهيمنة على كل العروض.

الحروب والفساد والانتظار كانت أبرز «ثيمات» العروض، فلم يخلُ عرض من تناول هذه المواضيع ويعبر عن معاناة الليبيين لها وانتظار الخروج من نفق الرعب الذي يعيشون.

النص المسرحي الليبي بدا في هذه العروض عاجزا عن النطق، ما جعل الإعداد عن نصوص أخرى الأبرز في هذا المهرجان، بل ظلت أطياف مسرح ما بعد الحرب العالمية الثانية حاضرة في كل العروض، قد لا أبالغ إن قلت إن طيف «في انتظار جودو» ظلل غالبية عروض المهرجان وإن حضر ذلك المنتظر في بعض الأعمال فإنه يحضر مدمرا وقاتلا.

المخرج الليبي بدا كقائد ميداني، حسب مصطلحات حروبنا الأهلية، يعاني قلة المعدات وقلة الخبرة ولكنه يواصل عمله بروح انتحارية عالية وإصرار على الإنجاز.

بطل كل هذه العروض كان الممثلون بأرواح بدت قوية، رغم كل الآلام، تخوض صراع الوجود والبقاء على هذه الركح.

الهروب والهزيمة ومغادرة الركح «البلاد»، ظلت تلوح في بعض العروض ولكنها تهزم في النهاية بالتراجع والعودة إلى الركح، لتظل مراكب الهجرة في الانتظار وليظل الغرق مصير كل تلك المراكب.

الغرق تيمة أخرى برزت في عرض «درنة» ولكنه كان غرق المتمسكين بالبيت والوطن وكان الطوفان طوفان الفساد.

المسرح الليبي في هذا المهرجان يطرد المرأة من ركحه طردا شبه كامل، فلا تحضر المرأة إلا في عرضين لتختفي من بقية العروض، مما ينذر بمستقبل لا حضور فيه للمرأة إن لم ننتبه.

المسرح الليبي الذي ورغم كل جراحه يقف وسط ركام ما عشنا وعانينا من صراعات ليقول إنه لا زال على قيد الحياة ولا زال يخوض معركة الوجود ويصر على القيام بدوره كأداة بناء أساسي لمجتمع جديد لا يختلف حاله عن حال الفنون والآداب في ليبيا التي ظلت تقاتل لقرون طويلة من التنوير والنهضة والجمال.