Atwasat

2024: عام اليمين المتطرف في أوروبا

جمعة بوكليب الأربعاء 20 ديسمبر 2023, 01:55 مساء
جمعة بوكليب

ها هو عالمنا، بأعين مفتوحة، يدخل العام 2024، وفي مسيرة تقودها جوقة يمينية متطرفة، مخترقة شوارع وميادين عواصم دول القارة العجوز- أوروبا. مرحباً بكم إلى العام 2024.
التقدم اليميني المذكور، بعد أن كان هامشياً ومنبوذاً ومحظوراً دخل القلاع الليبرالية الأوروبية الحصينة من أبوابها المشرعة، منذ سنوات مضت، وتحت ضوء الشمس، وفق نصوص الدساتير والقوانين الديمقراطية، وعبر صناديق الانتخابات.

موسم التكهنات في وسائل الإعلام بدأ فعلياً. ومن جانبي اخترت الانضمام إلى طوابير المتكهنين في وسائل الإعلام، متخلياً عن تحفظي. وتكهناتي الشخصية أن العام 2024، سيكون عام اليمين المتطرف في العواصم الأوروبية، وربما يمتد إلى غيرها من القارات.

تكهناتي الشخصية قائمة على رصد ومتابعة شبه يومية لما يحدث في ساحات دول الغرب من تطورات، وما تشهده عواصمها ومدنها من بروز لحركات وتنظيمات متطرفة، ومنغلقة، وشعبوية. وارتفعت أسهم تكهناتي، بشكل خاص، بعد تمكن حزب يميني متطرف من اجتياح الانتخابات النيابة أخيراً في هولندا. ورغم خسارة حزب يميني شعبوي في بولندا للانتخابات، فإن كفة تكهناتي المذكورة أعلاه لم تتأثر بها كثيراً، بسبب اختلاف الثقل الذي تمثله هولندا في روزنامة الفكر الليبرالي طوال مسيرته. وفي شهر نوفمبر المنصرم، فوجئنا ببروز اليمين المتطرف في عاصمة أوروبية غير متوقعة، وهي مدينة دبلن عاصمة أيرلندا.

وما حدث هو أن أهل دبلن، ذات مساء في الشهر المنصرم، فوجئوا وهم يرون للمرة الأولى شوارع مدينتهم تتحول إلى ساحات قتال بين المتطرفين اليمنيين وبين قوات الشرطة. الجماعة المتطرفة استغلت فرصة قيام مهاجر جزائري الأصل مقيم في أيرلندا منذ عشرين عاماً بالاعتداء على أطفال مدرسة ابتدائية لدى انتهاء الدوام اليومي. اللافت للاهتمام أن لاجئاً آخر من البرازيل، كان هو من تصدى للمعتدي وأوقعه أرضاً، وأنقذ معلمة من طعنات سكينه. ذلك الاعتداء الذي لم تعرف دوافعه حتى الآن إلا للأجهزة الأمنية، كان بمثابة الشرارة التي أشعلت المعارك، وأدت إلى وقوع إصابات عديدة بين قوات الشرطة، وحرق حافلات عامة وسيارات شرطة، كما تعرضت المتاجر للنهب. كان المتطرفون اليمينيون يطالبون بقتل اللاجئين والمهاجرين.

وفي شهر نوفمبر المقبل، وما لم نشهد تدخلاً أشبه بمعجزة، سنرى ثانية احتمال وثوب دونالد ترمب على البيت الأبيض مرفوقاً بأنصاره وجوقته. وفي بريطانيا، يكثر المعلقون من الحديث هذه الأيام عن احتمال عودة اليميني المتشدد نايجل فاراج الزعيم والمؤسس لحزب الاستقلال المناويء للمهاجرين، والزعيم الشرفي لحزب الإصلاح العنصري، إلى أحضان حزب المحافظين، لقيادة الجناح المتشدد في الحزب، وعلى أمل انتخابه في المستقبل القريب لزعامة الحزب. وفي فرنسا يتمدد حزب السيدة مارين لوبين في كل فرنسا، على حساب شعبية الحزب الجمهوري الديغولي، وانحسار شعبية حزب الرئيس إيمانويل ماكرون، بعد النتائج البرلمانية المبهرة التي حققوها في الانتخابات النيبابية الماضية. وفي إيطاليا، استحوذت السيدة جورجيا ميلوني وحزبها بجذوره الفاشية (إخوة إيطاليا) على القصر الرئاسي. وبالطبع لا ننسى ما حدث في المجر واليونان وسلوفاكيا.

الغريب، أن الأحزاب والحركات اليمينية الأوروبية المتشددة، أو بالأصح المتطرفة، برزت على سطح المسرح السياسي في بلدان اشتهرت شعوبها عبر التاريخ بالهجرة، وتوزعوا في أنحاء العالم. ولذلك السبب تحديداً، يتوقع أن تكون متسامحة مع المهاجرين والغرباء، إلا أن العكس هو ما حدث وما نراه يحدث. وأذكر أنه في حديث لي مع صديق أيرلندي في وقت سابق، لدى زيارة قمت بها إلى دبلن، قال لي لو أن الأيرلنديين المهاجرين في بلدان العالم عادوا إلى أيرلندا لأغرقوها في البحر من كثرتهم.

ما حدث في دبلن هزّ الحكومة الأيرلندية، وشجب رئيسها في بيان غاضب أعمال الشغب، ونفى انتماء من قاموا بها إلى الشعب الأيرلندي، ووعد بمعاقبتهم أشد العقاب. لكن ما حدث في أيرلندا يؤكد على أنه لا بلد أوروبياً في مأمن من ظهور اليمين المتطرف، ولذلك من المتوقع أن يكون العام 2024 عامهم بامتياز.

في أيرلندا، تؤكد التقارير، أن وراء بروز اليمين المتطرف أزمة إسكانية حادة، تسبب فيها المهاجرون القادمون من أوكرانيا ومن غيرها من البلدان. وأن الحكومة عاجزة عن توفير بدائل لآلاف الأيرلنديين الذين لا يجدون مأوى، أمام تفاقم أسعار إيجارات البيوت.

أزمة الهجرة وتفاقم أعداد المهاجرين كانت الموجة التي اعتلتها مراكب اليمين المتطرف في كل بلدان الغرب. وتمكنت عبرها من التسرب من الهوامش إلى الساحة الرئيسة. بل وصلت عبرها إلى الحكم، أو حققت وجوداً يرلمانياً لا ينكر. سلاحها نشر ثقافة الخوف من المهاجرين، خاصة بين الطبقات الفقيرة. والتهويل مما يمكن أن يحدثه المهاجرون، وخاصة منهم القادمين من بلدان إسلامية، من تغييرات ديموغرافية وثقافية تتعارض وإرث تلك الشعوب الديني المسيحي.