Atwasat

(لا عندنا بقر ولا نطارد عجول)

جمعة بوكليب الخميس 14 ديسمبر 2023, 01:15 مساء
جمعة بوكليب

تخيّل أيها القارئ الكريم، لو أنك ذات يوم، مستقبلًا، ذهبتَ إلى مسجد لأداء صلاة في جماعة، فوجدت أن إنسانًا آليًا «روبوتًا صناعيًا» قد أُسندتْ إليه مهام الإمام. هل تعود مسرعًا للصلاة في بيتك، أم أنك تقبل بالأمر الواقع، وتقرر الصلاة خلفه؟

الذكاء الصناعي «Artificial Intelligence- AI» في وقتنا الحالي، تطور كثيرًا، حتى صار يقود السيارات والحافلات والقطارات والطائرات والصواريخ والدبابات والمركبات الفضائية. بل ويقوم بالأعمال كافة في عديد الشركات والمؤسسات التابعة للحكومات أو غيرها، وعلى أحسن وأفضل وجه. ويتوفر بكثرة في المصانع والمعامل، توفيرًا للوقت والمال والجهد. وإذا كان بمقدور الذكاء الصناعي أن يقود، مثلًا، عبر برمجة إلكترونية، مركبة فضائية إلى كوكب المريخ، أليس من السهولة عليه بمكان، عبر برمجة إلكترونية، أن يؤم بمصلين صلاة؟

ربما يعتبر البعض منكم أن هذه نكتة سمجة منّي، وفي وقت غير مناسب جدًا. وفي الحقيقة أعلمكم أن الأمر لا تنقصه الجدّية، ولا علاقة له بالهزل، أو تزجية فراغ.

في يوم الأربعاء الماضي، قرأت خبرًا، في جريدة «التايمز» اللندنية، يقول إن رئاسة الكنيسة الإنجليزية طمأنت القساوسة العاملين في كنائسها بأنها لن تستغني عنهم، وتأتي بـ«روبوتات» مكانهم لتقوم بمهامهم.

التقرير يوضح أن انزعاج القساوسة التابعين للكنيسة الإنجليزية، بدأ لدى ظهور تقرير حكومي يؤكد أن دورهم المهني يعدّ على رأس قائمة الوظائف المهددة من قبل الذكاء الصناعي. وأن روبوتات مبرمجة بإمكانها القيام بوظائفهم. وأن مؤلفي التقرير من الخبراء حددوا عدد 52 وظيفة من الممكن أن تؤديها الروبوتات الصناعية في قطاعات متنوعة، وأن وظيفة القس تقع في المرتبة الثالثة عشر من القائمة. ومن ضمن الوظائف الأخرى، بائعو الهواتف، وأساتذة الجامعات والمحامون. وفيما يخصُّ وظيفة القس فإن التقرير لم يوضح أيًّا من مهام القسّ التي يمكن أن يُعهد بها إلى روبوت.

وإذا كان بمقدور روبوت أن يحلَّ محلَّ قسّ في كنيسة، فهذا يعني، نظريًا على الأقل، أنه قادر على الحلول مكان إمام في جامع يؤم المصلين. الأمر يتوقف على إعداد البرمجة الإلكترونية لا غير. وقد يتساءل بعضهم، بما أننا نعيش في مجتمع تتولى فيه الروبوتات إدارة المؤسسات والمصانع والشركات والقطارات والمركبات الفضائية وغيرها، فلماذا لا نقبل أن يؤمنا إنسان آلي في الصلاة؟
المسألة لا تبدو سهلة البلع لكثير منّا، وقد تثير الهلع نفسيًا. وربما يجنح بعضنا إلى عدم التصديق. لكنها، وهذه حقيقة ثابتة بالأدلة والبراهين، مسألة دخلت طور التنفيذ والتطبيق في المجتمعات الغربية. وعلى سبيل المثال، لجأت شركة أمازون الأميركية إلى شراء روبوتات للعمل في مخازن التوزيع للتخلص من العمالة البشرية.

لكن ـومن وجهة نظر شخصيةـ لا أرى داعيًا إلى الارتباك من جانبنا. فنحن على بعد سنوات ضوئية مما يحدث في العالم الصناعي المتقدم، سواء في الغرب أو في الشرق. ومن المفترض أن هذه القضايا لا مكان لها في مجتمعاتنا. وحين يأتي وقتها، تكون الأمم والشعوب المتقدمة قد تركت الأرض، واستعمرت كوكب المريخ. تلك الأمم والشعوب لا ترى مانعًا يحول بين قيام روبوت بمهام قسّ في كنيسة، ويؤدي الشعائر الدينية. وإذا استطاعت الكنيسة الإنجليزية أن تضمن للقساوسة حاليًا عدم استبدالهم بروبوتات، فهذا لا يعني أنها لن تقوم بذلك مستقبلًا. المسألة، في رأيي، مسألة وقت، وكما يقول المثل «ما فيش دخان من غير نار». وإذا قامت الكنيسة الإنجليزية بتلك الخطوة، فثق أن غيرها من كنائس في جهات أخرى من العالم ستتبعها، وتقتفي أثرها.

لكننا، والحمد لله، في مأمن من تلك التطورات المخيفة في الحياة، المهددة لتقاليدنا وعاداتنا. ولذلك السبب لا حاجة تدعونا للارتباك، أو الانفعال والتوتر والقلق. ومن الأخير: «لا عندنا بقر ولا نطارد عجول».