Atwasat

مسرحية (إلياهو) النووية

علي المجبري الأحد 26 نوفمبر 2023, 05:36 مساء
علي المجبري

معاهدة الدفاع المشترك العربية - التركية - الإيرانية تكبل نووي إسرائيل وتُنزلها على ركبتيها!

لم يكن تصريح وزير التراث الإسرائيلي «عميحاي إلياهو» بضرب غزة بالسلاح النووي زلة لسان ولا فقدان صواب أو هذيان نتيجة غضب وانكسار، فـ«إلياهو» لم يخنه التعبير، ولم يخن مباديء إسرائيل التي التزمت بفرض «حالة التعتيم» على سلاحها النووي، فقوله في الخامس من نوفمبر 2023 لإذاعة «كول براما» الإسرائيلية، الذي نقلته جريدة «يديعوت أحرونوت»: «أحد خيارات الحرب هو إلقاء قنبلة نووية على غزة» كان أمرا مخططا له في مجلس الحرب الإسرائيلي، وأُوكِل إلى «إلياهو» دور المسرِّب، تنفيذا لتكتيك حربي وسياسي ونفسي مخطط له مسبقا.

فلماذا سرَّب مجلس الحرب هذا التصريح؟ وكيف يكون الردع المطلوب إزاء هذا التهديد؟

في البدء، يجب أن نعلم أنّ وزير التراث الإسرائيلي «عميحاي إلياهو» ليس أحمقَ ولا قليلَ التسييس، وليس بالغرّ الذي يفضح أسرار بلاده النووية وقد تكتمت عليها 60 عاما!.

فـ«عميحاي إلياهو» متطرفٌ يميني ذو نزعة تلمودية، ووالده شموئيل إلياهو حاخام شديد التطرف، ومعادٍ شرس للفلسطينيين والعرب والمسلمين، وهو الذي سبق أن شبّه الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية في فبراير 2023 بحادثة إغراق جنود فرعون في البحر، واعتبر أن الزلزال «طهّر العالم وجعله أفضل»، وهذه الجملة الأخيرة اقتبسها عميحاي إلياهو من والده عندما قال: «قطاع غزة بعد هذا الدمار الهائل أصبح أجمل من ذي قبل»!، مبرّرا خيار ضرب غزة بالسلاح النوي بقوله: «ليس هناك بريء في غزة».

ينتمي عميحاي إلياهو إلى حزب «عوتسما يهوديت» (القوة اليهودية) اليميني المتشدد الذي يؤيد بناء المستوطنات، واستعادة السيطرة على أراضي قطاع غزة. وقد انتخب عضوا في الكنيست في نوفمبر 2022، ثم استقال من البرلمان بعد أن عيّن وزيرا للتراث وشؤون القدس في ديسمبر 2022 بحكومة نتانياهو، وكان قبل ذلك جنديا في الجيش الإسرائيلي في وحدة المظليين.

إن وزيرا مؤدلجا مثل إلياهو لا يمكن أن يفشي أسرار بلاده، ويفضح سر امتلاكها السلاح النووي لمجرد أنه كان غاضبا من ضربات المقاومين القاسية.

والحقيقة أنه كان لا بد أن يقول أحدهم ما قاله إلياهو، تنفيذا لتعليمات مجلس الحرب، وكان لا بد أن يجيد رئيس الوزراء نتانياهو أداء دوره، فيغضب من حديث إلياهو، ويستبعده من اجتماعات الحكومة الأمنية المصغرة (الكابنيت)، ويعتبر أن تصريحاته «غير واقعية»!.

فـ«إلياهو» نفسه يعلم أن ما قاله غير واقعي، وأن إسرائيل ستصاب بالوجع النووي بالدرجة نفسها التي يصاب بها قطاع غزة، ولكن المسرحية كُتبت بعناية من أول مشاهدها حتى إسدال الستارة. وترسيخا لفكرة العرض، وصفت عضوة الكنيست عن حزب «تيكفا حدشاه» (أمل جديد)، يفعات بيتون، إلياهو بـ«الغبي الذي دمر جهود الدعاية الإسرائيلية»، وبُثَّ هذا التعريض في كلمة متلفزة!! .

فالوزير المتديّن مستعد للتضحية بوظيفته من أجل بقاء واستمرار دولة إسرائيل، ولا يعقل أبدا أن يزيل إلياهو الستارة السوداء عن سياسة «التعتيم النووي» المعتمدة في إسرائيل منذ بناء مفاعل ديمونا النووي العام 1963. ولم تكن تسريبات مردخاي فعنونو في العام 1986، وإيهود أولمرت بالعام 2006، بشأن امتلاك إسرائيل السلاح النووي إلا فصلين سابقين من هذه المسرحية.

وكيف لـ«إلياهو» أن يقول ما قال وهو يعلم أن ما أنزلته إسرائيل على غزة من مادة «تي إن تي» تجاوز حجم قنبلتين نوويتين من عيار «15 كيلو طن»، وبما يفوق ما أنزلته الولايات المتحدة على مدينتي هيروشيما وناغازاكي العام 1945؟.
ومنذ العام 1963 لم تُفصح إسرائيل عن امتلاكها السلاح النووي، وظلت تُسدل عليه الكثير من التعتيم والغموض، فما الذي جعل الوزير إلياهو يصرح بامتلاك إسرائيل السلاح النووي، ويهدد باستخدامه ضد قطاع غزة؟.

الإجابة المباشرة هو حجم الضربات غير المسبوقة التي تلقتها إسرائيل على يد «حماس»، والتي أدت إلى انهيار أسطورة «الجيش الذي لا يُقهر»، وتعريتها أمام البلدان العربية وإيران وتركيا التي ستفكر جديا في التجرّؤ عليها، فإسرائيل استشعرت تهديدا وجوديا يستهدف بقاءها!!.
ولهذا السبب استنجدت إسرائيل بالولايات المتحدة، لحمايتها من توسّع رقعة الحرب. كما اضطرت إلى اختراق حاجز «الغموض النووي»، معلنةً امتلاكها هذا السلاح، واستعدادها لاستخدامه، فإسرائيل لم تأمر إلياهو ليفصح عن سلاحها النووي إلا لأنها استشعرت هزيمتها في قطاع غزة!.

ولمن درس التاريخ اليهودي يعلم دون عناء أن إلياهو بتصريحاته، التي اُعتبرت حمقاء، لم ينسف سياسة «التعتيم النووي»، وإنما رسخها، وأظهر العصا الطويلة دون أن يخسر جزرته، وأن هذا السلاح قادر على الوصول إلى غالبية الأقطار العربية وإيران وبلدان الشرق الأوسط، وفي مقدمتها تركيا.
وعلى الرغم من أن العديد من المصادر الدولية لا ترجح امتلاك إسرائيل السلاح النووي، فإننا نرجح امتلاكها هذا السلاح، استعدادا للأسوأ.

فهل يمكن للعرب وشركائهم تحييد هذا السلاح؟ وهل يمكن هزيمة إسرائيل التي تتقوّى بترسانتها النووية؟.

الإجابة: نعم!، فلا تحتاج الدول العربية وإيران وتركيا إلا إلى إبرام معاهدة «دفاع مشترك»، تقرر فيها أن أيَّ اعتداء نووي على أي من الدول الأعضاء هو اعتداءٌ عليها كلها، وأيَّ خطر نووي يهدد إحداها إنما يهددها جميعا. وعملاً بحق الدفاع الشرعي الفردي والجماعي وفقا للمادة 51 من ميثاق هيئة الأمم المتحدة، يحق لهذه البلدان استخدام القوة العسكرية، لرد الاعتداء ومهاجمة المعتدي، وستدعمها 191 دولة ترفض الانتشار النووي والتهديد به واستخدامه في الحروب.

فمعاهدة الدفاع المشترك ستكبل إسرائيل، وتحيِّد سلاحها النووي، ولن يكون بوسعها الانفراد، كل مرة، بدولة تهاجمها أو ترهبها بقوتها النووية، وسيكون هدف هذه المعاهدة هو مهاجمة إسرائيل بالأسلحة التقليدية شديدة الانفجار والبيولوجية والكيميائية - التي تعادل القنبلة النووية - في حال استعملت إسرائيل سلاحها النووي ضد أي دولة من الدول الأعضاء في معاهدة الدفاع المشترك، وسيجرى الرد جماعيا أو فرديا فور التحقق من حصول الضربة النووية الإسرائيلية ضد أي عضو من أعضاء المعاهدة، وهذا الرد سيجعل إسرائيل تنزل على ركبتيها!.
كما يمكن التوسع في هذه المعاهدة، لتشمل الرد على كل الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية، سواء تمت بأسلحة نووية أو تقليدية.

أما مسرحية إلياهو فسوف تنقلب على رأس مجلس الحرب الإسرائيلي عندما تكون سببا مبررا ومقبولا لإبرام هذه المعاهدة، ردعا لأي ضربة نووية تقوم بها إسرائيل التي لم توقع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية التي دخلت حيز النفاذ في 5 مارس 1970، فإبرام «معاهدة الدفاع المشترك بين العرب وإيران وتركيا» هدفها الدفاع عن النفس، وليس مهاجمة إسرائيل.

وهذه المعاهدة يجب أن تُبرم وتستمر حتى يتحقق السلام الشامل في منطقة الشرق الأوسط الذي يقوم على نزع سلاح إسرائيل النووي، وقيام دولة فلسطين بحدود 4 يونيو 1967.