Atwasat

(طوفان الأقصى) هل تنهي مسار التطبيع مع إسرائيل؟

إبراهيم حميدان الخميس 09 نوفمبر 2023, 08:43 مساء
إبراهيم حميدان

عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها كتائب عزالدين القسام الذراع العسكري لحركة حماس في السابع من أكتوبر الماضي، كان لها تداعيات عديدة على الفلسطينيين وقضيتهم وعلى منطقة الشرق الأوسط والعالم. تداعيات سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية وإستراتيجية، وطُرحت أسئلة مهمة على الباحثين والمراقبين للصراع العربي الإسرائيلي، من بينها: هل أوقفت هذه العملية مسار التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية؟
يأتي هذا السؤال على خلفية الاحتجاجات الغاضبة والمتنامية في أوساط الجماهير العربية والإسلامية المُندّدة بالمجازر الوحشية التي ترتكبها إسرائيل في حق السكان المدنيين في قطاع غزة.
لم تقتصر الاحتجاجات الشعبية على الدول العربية والإسلامية فقط بل رأيناها تجتاح شوارع مدن وعواصم مختلفة من دول العالم في جميع القارات، بما في ذلك عواصم ومدن أمريكا وأوروبا الحليف الرئيسي لإسرائيل والتي سارعت بالوقوف إلى جانبها وقدمت لها الدعم العسكري والمالي والأمني والسياسي والإعلامي ومنحتها الضوء الأخضر فيما أسمته حق "إسرائيل في الرد" مُتعامية عن رؤية جرائم القتل المُتعمّد التي تقترفها قوات الاحتلال ضد الأطفال والنساء في غزة، وتدمير الأحياء السكنية والمدارس والمستشفيات والجامعات، مُتبنّية السّرديّة الإسرائيلية المزعومة في أن إسرائيل تحارب حركة حماس الإرهابية التي لاتختلف عن "داعش"، بينما تقول الصور التي يتابعها العالم على الشاشات أن إسرائيل هي التي لاتختلف عن "داعش" فهي من يقصف الأبرياء في غزة وقد قتلت منهم منذ السابع من أكتوبر وحتى كتابة هذه السطور 10آلاف شخص بينهم 4 آلاف طفل.

اتفاقيات إبراهام
وكانت خطوات التطبيع التي عُرِفت باسم "اتفاقيات إبراهام " قد تسارعت في عام 2020 بين إسرائيل وعدد من الدول العربية برعاية ودعم من قبل الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية "دونالد ترامب" وفريقه وعلى رأسه "جاريد كوشنر". والدول التي عقدت اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل هي دولة الإمارات العربية والبحرين والسودان والمملكة المغربية، وكانت هناك استعدادات تُجرى في الآونة الأخيرة لعقد اتفاقية بين إسرائيل والمملكة السعودية حيث قال ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية في سبتمبر الماضي: "نقترب كل يوم أكثر فأكثر من تطبيع العلاقات مع إسرائيل".
سبقت هذه الاتفاقيات معاهدة السلام المُوقّعة بين إسرائيل ومصر في 1978، والمعاهدة الأردنية الإسرائيلية المُوقّعة في 1994. وكما هو معروف هاتان المعاهدتان اعتمدتا على قاعدة "الأرض مقابل السلام" حيث استعادت كل من مصر والأردن أراضيهما المحتلة من قبل إسرائيل عام 1967، أما "اتفاقات إبراهام" الأخيرة فهي اتفاقيات ثنائية ارتكزت على مصالح أمنية واقتصادية وإستراتيجية بين إسرائيل والدول العربية الموقّعة، وبالتالي لم تكن هذه الاتفاقيات الأخيرة بهدف استرداد أراضٍ كانت محتلة من قبل إسرائيل، كما أنها لم تكن تحولا من حالة الحرب إلى حالة السلام، فهذه الدول العربية المُطبّعة لم تدخل في حالة حرب مع إسرائيل، وقد عبر الفلسطينيون في حينه عن غضبهم واحتجاجهم على هذه الاتفاقيات من خلال رئيس السلطة الفلسطينية "محمود عباس" وأيضا عبر فصائل المقاومة الفلسطينية، لتجاهلها حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته على أرضه، كما أن هذه الاتفاقيات شكلت خرقا للإجماع العربي كما تجلى في المبادرة العربية للسلام في بيروت 2002 والتي نّصّت على "الانسحاب الإسرائيلي الكامل من جميع الأراضي المحتلة بما فيها القدس الشرقية، وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية والانسحاب من الضفة الغربية والجولان السوري المحتل ومزارع شبعا".

لقد شجعت هرولة بعض الدول العربية نحو التطبيع مع إسرائيل على تهميش القضية الفلسطينية، وتزايدت الاعتداءات على الفلسطينيين من قبل قوات الاحتلال والمستوطنين، وازدادت الأوضاع سوءا بوصول "نتنياهو" إلى الحكم وائتلاف أقصى اليمين والفاشية الدينية المتطرفة الرافضة لتقديم أي تنازلات للفلسطينيين.

لكن سياسة التهميش للقضية الفلسطينية وتصفيتها من خلال اتفاقيات التطبيع باءت بالفشل الذريع، عقب عملية "طوفان الأقصى" إذ عادت القضية الفلسطينية لتصبح في واجهة الأحداث الإقليمية والعالمية، وتبين أنه لايمكن تحقيق استقرار في الشرق الأوسط والشعب الفلسطيني يرزح تحت احتلال استيطاني وحشي.

فما الذي فعلته الدول العربية لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة باستثناء التصريحات التي تشبه تعليقات بعض المحللين السياسيين على الأحداث؟
ومالذي فعلته الدول المُطبّعة؟

استدعت الأردن سفيرها في إسرائيل إلى حين توقف الحرب وكذلك فعلت دولة البحرين.

وعلَّقت السعودية محادثات التطبيع مع إسرائيل.

ولكن هل هذا يكفي؟
بوليفيا في أمريكا اللاتينية ليست دولة عربية، ولا مسلمة، غيرأنها قطعت علاقاتها مع دولة الاحتلال الصهيوني رفضا وإدانة للهجوم العدواني على قطاع غزة، وتهديدها للسلم والأمن الدوليين، كما استدعت كل من كولومبيا وتشيلي سفيريهما في دولة الكيان الصهيوني.
فهل تجرؤ الدول العربية المُطبّعة على الاقتداء ببوليفيا؟

إن الموقف الرسمي العربي المتخاذل والمُتخلي عن مساندة ودعم الفلسطينيين وهم يواجهون حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي يجعل الهوة بين هؤلاء الحكام وشعوبهم التي تملأ الشوارع تضامنا مع الشعب الفلسطيني تزداد اتساعا، وقد تتحول تلك الحشود الغاضبة في لحظة ما إلى ثورات ضد هؤلاء الحكام المتخاذلين. فهل يتعلمون الدرس ممن سبقوهم واستهانوا بقدرة شعوبهم على خلعهم؟