Atwasat

جايز ظلام الليل!

عبد الكافي المغربي الجمعة 03 نوفمبر 2023, 05:27 مساء
عبد الكافي المغربي

جايز ظلام الليل.. يبعدنا يوم إنما.. لا تخطر هذه الكلمات من الأغنية المستحضَرة من ذاكرة الطفولة الأولى إلا ونظرنا في تكاثف هذه الظلمات. يحق لنا أن نختص بدقيقة تفكير سوداوي يعكس واقع الكابوس العربي بعد عقدين من أجيال وراء أجيال. على تأهب الأغنية -على عكس القصائد الغنائية الممعنة في الإسفاف- للقبول باحتمال أن يطول هذا الليل الأسطوري، يرقد المارد العربي الذي لم تستفزه السرديات الكبرى ولا الآمال العلمانية، وأفضت الأحلام الإسلامية عن غير قصد إلى تبنيجه. حتى لقد طال رقاده وإن يقظته في غياب التنوير والأيديولوجيا البديلة لا تعد بخير كثير.

حذر الرئيس التونسي الأسبق، المنصف المرزوقي، من امتداد للشتاء العربي في انتفاضة ثانية للشعوب المنهكة ضد حكامها الذين لا تبدو فيهم ملامح أقل مسايرة لتطلعات شعوبهم، وقد أصبحت فكأن بمشاعر الهزيمة المورثة كلها تبددها تلك الإهانة اللاحقة بجيش الكيان الديني الإرهابي الذي يجمعه بمن تظن نفسها سيدة العالم حلف صلب. فهذه الأنظمة العربية التي هي أشبه بضباع الحراسة تقمع الأمل العربي الصادق في مقاومة وعزل الكيان العنصري. وها هي ذي دول أبية في أميركا اللاتينية لطالما قاومت الهيمنة الغربية وأنفت السير في ركابها تسبقهم في أضعف الإيمان: قطع العلاقات مع الكيان الاستيطاني.
يبدد هذا أي شك في أن الغرب أول المستفيدين من العقلية السلطوية الحاكمة في ممالك وجمهوريات العرب. ذلك أن إحياء الديمقراطية في العالم العربي يعني أن يراهن المرشحون للحكم على المشاعر المضادة للصهيونية. ومؤشر التقارب الكبير بين الغرب والحكومات العربية سعي الأخيرة للوصول إلى هدنة إنسانية، وعجز فاضح عن تحدي الإرادة الإسرائيلية بإنقاذ بني جلدتهم العرب المجوعين في القطاع المنكوب بفتح المعبر وإدخال أكبر عدد ممكن من شاحنات المساعدات في حماية الدفاعات الجوية المتطورة. وفيما يطرأ التوافق النادر بين المثقف العربي العلماني وشيخ الأزهر برفض التعاطي مع الغطرسة الغربية والاستسلام لها عوضاً عن تهديد مصالحها بالانصراف عنها إلى المعسكر الشرقي، تبقى قنوات تواصل الأنظمة متينة مع الغرب المنحاز للاحتلال الرافض لحق فلسطين في الدفاع عن نفسها. وإن التطبيع الفاضح مع احتلال لم يقدم أقل تنازلات يبدو أنه أعز إلى نفوس طغاتنا المتسابقين على نيل رضا الديمقراطيات المأزومة، منها إلى دول بعيدة عن مسرح الصراع ولا تصلها بالشعب الفلسطيني صلة الدم، قد قام بينها وبين العرب حاجز اللغة، لا يؤلبهم على إسرائيل أو يميل بهم إلى طرد دبلوماسييها إلا ضمير إنساني يقظ.

إن الرجل الذي يصف حماس في حضور ريشي سوناك بالجماعات المسلحة، ليرضي الغرب، ثم يستدرك فيضيف: «أو المقاومة»، يبدو التوتر واضحاً في نبرة صوته، فيما يدرك أن حقبته مهددة بالانقضاء أو أن حرباً أهلية مدمرة توشك أن تأتي على الأخضر واليابس في بلده. ولكن ما البديل؟ هل يمكن لظلام الليل أن ينجلي فيعقبه شعاع نور يخترق مدى أبعد؟ كلا، لا يمكن للأوضاع إلا أن تزيد سوءاً.

لم تبدد الأنظمة العربية كرامتنا في عجزها عن تطوير قوة الحرب غير المتناظرة، المنهكة للعدو والتي تخيف بها إيران والفصائل التابعة لها أعداءها، كلا ولا هي زادت من نفقاتها العسكرية واستثمارها التقني والتعليمي لبناء قدرات عسكرية رادعة، ولا في ترشيد إنفاقها بمحاربة الفساد. لكنها كذلك أمعنت في إذلالنا فتأبى أن تتجه لعزل وإدانة الكيان الاستيطاني في كل محفل، وتمويل كل جهود مخلصة لمقاومة العدو في الأراضي المحتلة، كموقف الكويت وقطر. قد بات العربي جديراً باحتقار العالم كله، كمعقب أكيد لسياسة الأنظمة المشلولة التي تتألف الخصم الغربي للإبقاء على مكاسب عائلية زائلة على حساب كرامة أممهم وسلامة بلادهم من تغلغل الحركات التي تبشر بعهد جديد ينتصب فيه العربي الواحد ولا يستغنى عن حضوره في مشهد الكابوس المقبض الذي يقوض سكينة العدو حتى إذا هبط الليل. إذا سقطت غزة ستسقط من ورائها دول لا تزال تفخر بجيوش راكدة، عاقبة أمرها لا لبس فيها كما كان قد نزل بقوات النظام السوري من ضعف وخور، اللهم إلا إذا انقضت المؤسسة العسكرية على أميرها الفرد فضحت به لصالح الأمة. هذا كله، أعترف في يأس، يطاله أكبر الشك.