Atwasat

اعرف عدوك

أحمد الفيتوري الثلاثاء 24 أكتوبر 2023, 04:06 مساء
أحمد الفيتوري

إن سألوك عن غزة
قل لهم: بها شهيد
يسعفه شهيد
ويصوره شهيد
ويودعه شهيد
ويصلي عليه شهيد
• محمود درويش

• دولة الجيش والحرب!

السنوات الأخيرة تم إخفاء فلسطين، بعد أوسلو تمظهرت إسرائيل كدولة اعتيادية، وخلعت حقيقتها كدولة دينية أحادية، وبالتالي متعصبة ومتطرفة. دولة يهودية، كلما تمترست جنحت إلى اليمين، وكلما تيمنت انتابها الخوف من التفكك، فتستعيد روحها كدولة حرب. ومن آيات تحققها أن تخرج من معركة لتدخل في أخرى، وأن تقتل كي لا تُقتل.
سبعون سنة خلون وبُعيد الحرب الكبرى، تخلصت أوروبا من مشكلة مزمنة عُرفت بالمسألة اليهودية، فتم تهجير مواطنين أوروبيين بدواعٍ دينية، وتحت غطاء أسطوري، تم تأسيس دولة إسرائيل في المنطقة العربية، وبقوة الغرب هُجر الفلسطينيون إلى الشتات، أو فُصلوا بأسوار القرون الوسطى. هذه الحقيقة الأساس خلخلت الأمن في الشرق الأوسط، فلأجل الحفاظ على الجيتو الذي حُول له المواطنون الأوروبيون اليهود، أقيمت قلعة أمنية مدججة بالسلاح وأنيابها نووية.

تأسيسًا على هذه الخلخلة في بنية الشرق الأوسط الجيو تاريخية، غدت المنطقة تعيش على بركان حرب مشتعلة أو مضمرة، واضطرت دولة الجيتو الدينية إلى أن تكون إسبارطة العصر الحديث، فمنذ يوم إعلانها كدولة في إضبارات ومنابر الأمم المتحدة وحتى الساعة، تخوض المعارك الحربية المعلنة والسرية. وكل يوم يمر على هذه الدولة، تتطور فيه بنيتها في منحى ذي بعد واحد، يتسم بالانغلاق فالتمترس المتعصب، ومن ثم حشد كل المقومات التي يمكن توفرها للدولة الجيش. وحقيقة هذه الدولة تجلت في الواقع، في الحروب العلنية الشهيرة 1948، و56، و67، و73، و82، ثم عام 2006م، وفي معارك لا حصر لها. وعليه عاش العرب من أثر هذه الحروب، ولدواعٍ أخرى داخلية، في حروب بين دولهم، وفي حروب أهلية لم تنته بعد.

وكذا كان الشرق الأوسط خلال السبعين سنة تلك، في نزاعات وصراعات إقليمية، على النفوذ ومن أجل المصالح المتباينة، واتخذ هذا الاصطراع سُترًا إثنية وطائفية ودينية، وكان ذلك دائمًا في إطار دولي وتدخل إمبريالي، خاصة من بريطانيا العظمي ووريثتها الولايات المتحدة. أما ما هو مسكوت عنه، أو جاء في صيغة العداء لهذه الدولة، فهو الحروب السرية التي تتمثل في تدخل إسرائيل، في الدول العربية والإقليم وكل من تعدهم من أعدائها، وهي حروب يومية، بل إنها أكسجين وجود هذه الدولة الجيش.

• العربي الطيب عربي ميت!

رواية «اعترافات عربي طيب»، ليورام كانيوك أو يوسف شرارة ـ حيث ثمة التباس في من هو كاتب هذه الرواية، وأيهما الاسم الحقيقي ـ، مما جاء في الرواية:

«لقد عدت إلى هنا في عام 1948، ورأيت ما فعلوه بك، لقد أذلوك، سلبوا أرضك، كيف أمكنك أن تبقى هادئًا، كيف أمكنك أن تظل ساكنًا هكذا؟، لقد سلبوا منك كل شيء، طردوا عائلتك، حطموا والدك، حولوك إلى عربي اليهود، كيف أمكنك؟ ونظر إلي دون أن ينبس كلمة، وأضفت قائلًا: إنهم غزاة أجانب، مثل الصلبيين أيضًا.

قال عازوري: لا، إنك على خطأ يا يوسف، ستمكث هنا. ولكننا سوف نبقى هنا أيضًا، تلك هي المأساة...».

وتطرح الرواية هذه المأساة التي اسمها فلسطين، إلى جانب دولة الحرب التي اسمها إسرائيل، من خلال توتر الشخصية المزدوجة الأصول، لكن هذه الشخصية الروائية – لعلها سيرة هذا الازدواج – شخصية فارغة، من حيث إنها تعبير عن المأساة وحسب وفاعليتها في الفقدان. ومن جانب آخر تكشف عن عنصرية دولة اليهود، ما توزعها بحياد على كل الشخصيات، التي تظهر على مسرح هذه الرواية، وإن كانت في إطار المسكوت عنه تقدم خطاطة عامة للبنية الداخلية للمجتمع الصهيوني، وتكشف تفككه المعروف على المستوى الديموغرافي، وكذا المستوى البنيوي الفكري لهذا المجتمع اللامجتمع.

وكأنها من ناحية تعرفنا بحالة شاذة، ومن الممكن القول مستحيلة، لتأسيس دولة الأساطير، التي وقائعها ليست من نتاجها، ولكن محصلة مجتمعات أوروبية، فإسرائيل هذه حسب الرواية نتاج أزمة الفكر والفعل الأوروبيين، والبنية السردية الاعترافية، هي من تراث مسيحي، يوميء لمفهوم الخطيئة المسيحية، أكثر من أنه مجرد حيلة روائية، أما الجزء الثاني من اسم الرواية وكذا كوجيوتها، فإنه الشعار الأيديولوجي الصهيوني الأشهر: بأن العربي الطيب هو العربي الميت.