Atwasat

الإعلام الغربي وازدواجية المعايير

إبراهيم حميدان الخميس 19 أكتوبر 2023, 02:27 مساء
إبراهيم حميدان

انحياز الإعلام الأمريكي، والغربي عموما، إلى جانب دولة الاحتلال الإسرائيلي في حرب الإبادة التي تخوضها هذه الأيام ضد الشعب الفلسطيني ليست بالأمر الجديد، ولا أظنه يُشكل مفاجأة للفلسطينيين والعرب.
فالمنابر الإعلامية الأمريكية والغربية التي طالما ادعت أنها تقوم على الالتزام بمباديء التوازن والتعددية والمهنية والموضوعية التي تُعد من أركان العمل الإعلامي المستقل، نجدها اليوم تتخلى عن هذا كله، وتنحاز إلى دولة الاحتلال في حربها الوحشية التي تخوضها ضد سكان غزة، تقتل الإنسان وتدكّ المستشفيات والمنازل على رؤوس قاطنيها، تدمّر أحياءً بأكملها، وتستهدف سيارات الإسعاف والمسعفين، تقطع المياه والغذاء والوقود والدواء، وربما لو كان بمقدورها قطع الأوكسجين عن الشعب الفلسطيني لفعلت ذلك.

هذا التخلي عن قيم ومباديء العمل الإعلامي المتعارف عليها في أمريكا والعالم الغربي عموما حيث الديموقراطية وحقوق الإنسان وحرية الرأي والصحافة المستقلة إلخ، حدث في مرات سابقة في نزاعات مماثلة في الشرق الأوسط، سواءً تعلق بالنزاعات العربية الإسرائيلية أو بنزاعات كانت الولايات المتحدة متورطة فيها مثل حرب العرق عام 1991و2003.

ونرى هذه الأيام شاشات القنوات التلفزيه الأمريكية والغربية وهي تزدحم بالوجوه المؤيدة للسردية الإسرائيلية، من سياسيين وصحفيين ونشطاء ومدونين إلخ التي تملأ هذه القنوات بالأكاذيب والتزييف، تصور إسرائيل في موقف الضحية، والمقاومة الفلسطينية في موقف المحتل، في عملية قلب للحقائق على الأرض حيث يتحول القاتل إلى ضحية وتصير الضحية قاتلا.

ومايحدث على الشاشات القنوات التلفزية ، يتكرر على صفحات الصحف الكبرى في مقالات الرأي والأخبار وتقارير المراسلين وفي المقابلات التي تجرى على المواقع الالكترونية الإخبارية، الجميع يذرف الدموع على إسرائيل التي تتعرض للعدوان، ويتم تجاهل ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من قتل وتشريد وسحق عبر عشرات السنين من الاحتلال الاستيطاني العنصري الذي يستهدف اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم ودفعهم إلى اللجوء والنزوح، حدث هذا في عام 48 ومازال يحدث اليوم.

الإعلام الأمريكي والغربي عموما، اتخذ مسارا ركز فيه على وصف حركة حماس الفلسطينية بالإرهاب، وهو التصنيف السياسي الذي فرضته واشنطن على هذه الحركة، إضافة إلى التركيز على القصص الإنسانية التي تثير المشاهد والقاريء الأمريكي وتجعله يتعاطف إنسانيا مع ما تعرض له المدنيون الإسرائيليون من هجمات من مقاتلي حماس، ولم يتورع هذا الإعلام عن التورط في تلفيق الأكاذيب ضاربا عرض الحائط بقواعد العمل الصحفي الذي يقوم على تحري الدقة والتثبت من صحة الأخبار، وعدم نشر الأخبار غير المؤكدة، حيث تم على سبيل المثال خلال الأيام الماضية، نشر رواية مسرّبة تقول أن مقاتلي حماس قاموا بقطع رقاب أطفال إسرائيليين أمام عائلاتهم، و تبنى الرئيس الأمريكي جو بايدن هذه القصة المرعبة، وظهر على الشاشات يرددها في تأثر شديد، ثم تراجع البيت الأبيض لاحقا عن تصريح بايدن، لافتًا النظر إلى عدم رؤية أي صور في هذا الإطار.

واعتذرت مراسلة شبكة سي إن إن الأمريكية سارة سيدنر، عن ترديدها لهذه القصة المروعة على الهواء مباشرة، وقالت سيندر في تدوينة على منصة "إكس"، يوم الجمعة الماضي، "بالأمس قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إنه تأكد من قيام حماس بقطع رؤوس الأطفال والرضع بينما كنا على الهواء مباشرة". وأضافت: "وتقول الحكومة الإسرائيلية اليوم إنها لا تستطيع تأكيد قطع رؤوس الأطفال. كان يجب أن أكون أكثر حذرًا في كلامي. أعتذر".

لكن شتان بين طريقة نشر الخبر الكاذب، والتراجع عنه. فالتراجع بالنسبة للرئيس بايدن جاء عبر متحدث باسم البيت الأبيض الذي صرح لصحيفة الواشنطن بوست بأنه "لا الرئيس بايدن ولا أي مسؤول أمريكي رأى أي صور أو تأكد من صحة تقارير بشكل مستقل". بينما جاء تصريح بايدن على التلفزيون الذي شاهده الملايين على الهواء مباشرة وتناقلته وسائل إعلام كبرى في أمريكا والعالم، ونفس الأمر حدث مع اعتذار مراسلة السي إن إن.

نزع السياق واستبعاد المقارنة

من الأساليب التي تلجأ إليها وسائل الإعلام الأمريكية والغربية كما لاحظ العديد من المراقبين أسلوب "نزع السياق" بمعنى تصوير هجوم حركة «حماس» كعمل مفاجيء إرهابي وفصله عن السياق التاريخي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وكأن هذا الهجوم لا علاقة له بالحصار غير القانوني للقطاع لمدة 16عاما، ولا بالحروب التي دمّرت القطاع خمس مرات وخلّفت آلاف الضحايا، ولا علاقة له بتأسيس إسرائيل ونكبة الفلسطينيين التي تسببت بتهجير جزء كبير من سكان غزة من قراهم وبلداتهم ومدنهم. وفي المرات القليلة التي تتم فيها استضافة شخصيات فلسطينية، أو متضامنة مع القضية الفلسطينية للحديث في القنوات التلفزية الأمريكية والغربية عن هجوم السابع من أكتوبر الحالي، كان المذيع المحاور يبادر منذ بداية الحوار إلى توجيه سؤال يتعمد فيه محاصرة الضيف في زاوية ضيقة فيسأله: هل أنت مع أو ضد هجوم حماس الإرهابي على إسرائيل؟. ولعل الكثيرين منا شاهدوا على منصات التواصل الاجتماعي الفيديوهات القصيرة لعدد من هذه الشخصيات الذين تعرضوا لهذا النوع من الأسئلة خلال استضافتهم في تلك القنوات أبرزهم رئيس البعثة الفلسطينية في بريطانيا حسام زملط الذي فضح التناول الإعلامي المتحيز لتلك القنوات التلفزية، رافضا الإجابة على سؤال كرره أمامه أكثر من مذيع ومذيعة عما إذا كان يدين هجوم حماس، فالأهم من هذا السؤال هو كيف يمكن وقف المجازر الإسرائيلية التي ستحصل بحق المدنيين الفلسطينيين؟ ومن المهم أيضا أن يتخلى الإعلام الغربي عن تحيزه وألا يساوي بين الاحتلال والشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال، وعدم اختزال المشهد بالأحداث الأخيرة، وضرورة معالجة القضية من جذورها، لأن معاناة الشعب الفلسطيني لم تولد اليوم بل هي مستمرة منذ 100عام. وفي أحد ردود السفير الفلسطيني على سؤال جاء في إحدى المقابلات قال: "رجاءً توقفوا. دائمًا ما تبدأ مقابلاتكم في طرح هذا السؤال. لن أخوض في هذا الطرح. مليونا فلسطيني محتجزون رهائن من قبل إسرائيل لمدة 16 سنة. وأضاف موجها سؤاله للمذيع: هل حدث وطلبت من مسؤول إسرائيلي إدانة ذلك؟ بالتأكيد لم تفعل".

تتبدى ازدواجية معايير الإعلام الأمريكي والغربي حين نقارن بين موقف الإعلام الغربي من الصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا من جهة، وموقفه من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من جهة أخرى، حيث نجده يقف إلى جانب أوكرانيا من أجل تمكينها من طرد المحتل الروسي وتحرير أراضيها، ولا يتهم الشعب الأوكراني بالإرهاب في قتاله ضد روسيا، كما أنه حين يتناول أخبارا تتعلق بما يقدمه الغرب من دعم لأوكرانيا بالأسلحة وبمليارات الدولارات، لايتهم الغرب بدعم الإرهاب.

إن معارك الحرية هي معارك الحرية، ومقاومة الاحتلال هو مقاومة الاحتلال، لكن ازدواجية المعايير هي التي تجعل الإعلام الغربي يرى في دفاع الأوكرانيين عن أرضهم حقا مشروعا في حين يرى مقاومة الفلسطينيين للاحتلال الإسرائيلي إرهابا.