Atwasat

المقاومة الفلسطينية وزلزال السابع من أكتوبر

إبراهيم حميدان الخميس 12 أكتوبر 2023, 04:30 مساء
إبراهيم حميدان

صباح السبت الماضي الذي وافق السابع من أكتوبر، استيقظ الإسرائيليون على زلزال لم يكن يتوقعه أحد في إسرائيل، إنها عملية "طوفان الأقصى" الاسم الذي أطلقته كتائب القسام على عمليتها العسكرية ضد مواقع لجيش الاحتلال وعلى مستوطنات غلاف غزة، وأعلن محمد الضيف القائد العام لكتائب القسام، أن الكتائب أطلقت 5000 صاروخ وقذيفة خلال الدقائق العشرين الأولى من بداية المعركة، فسقط خلال 36 ساعة من المعارك 700 قتيل إسرائيلي، وأعلن عن فقد 750، وخطف أكثر من 100 حتى ذلك الحين.

اهتزت الأرض بعنف تحت أقدام الإسرائيليين بعد مرور نصف قرن على زلزال السادس من أكتوبر عام ثلاثة وسبعين، وقد تعمدت كتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس الإسلامية اختيار هذا التاريخ لما يحمله من رمزية في ذاكرة الصراع العربي الإسرائيلي، وكان فارق اليوم الإضافي، 7 أكتوبر، بدل السادس من الشهر، لتقصّد الحركة بدء المعارك صباح السبت، وهو يوم العطلة التقليدي في إسرائيل، الذي يتزامن، هذه المرة أيضا، مع نهاية أعياد يهودية.

ففي السادس من أكتوبر 1973 تحطمت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي يوصف في الأدبيات العبرية بأنه لايقهر، وهاهي إسرائيل تستفيق اليوم على هزيمة عسكرية أخرى أشد قسوة، فإذا كانت قد هزمت في عام 1973 في مواجهة الجيش المصري، فهي تُهزَم اليوم في مواجهة شباب المقاومة الفلسطينية المجهزين بأسلحة وآليات بسيطة وصواريخ ومسيّرات انتحارية، استطاعوا بعملية اتسمت بدقتها وبطابع المباغتة تحطيم أسطورة الجيش الذي يصنف ضمن أقوى 18 جيشا في العالم، هذا الجيش الذي ظل يحاصر مدينة غزة التي خرج منها المقاتلون حصارا غير مسبوق، لم يكتف فيه بإحاطة القطاع بأسوار وتحصينات أمنية متطورة، واغتيال العناصر المؤثرة في كتائب القسام وسرايا القدس، وسلسلة من الممارسات والسياسات التي توهمت فيها حكومة اليمين الإسرائيلي أنها ستضمن تحقيق أمنها من خلال التفريغ التدريجي لمخزون مقاومة الاحتلال في غزة، وتهجير الفلسطينيين من أراضيهم وبيوتهم، وفرض المزيد من القيود على حرية الإقامة والحركة والعمل والدراسة وبناء الأسوار وترسيم مناطق عازلة، علاوة على الحماية السافرة للمستوطنين المتطرفين وتمكينهم من الاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى وعلى المدن والبلدات الفلسطينية، وتفتيت الضفة الغربية والقدس الشرقية عبر سياسات التوسع في بناء المستوطنات.

السابع من أكتوبر 2023، يوم سيخلده التاريخ الفلسطيني، حيث تم تمريغ العسكرية الإسرائيلية في الوحل، وشاهد العالم على شاشات القنوات التلفزية وعلى منصات التواصل الاجتماعي الصور والفيديوهات لتلك المشاهد المذلة للجنود والضباط الإسرائيليين وهم يسحبون من داخل الدبابات ويقتادون كأسرى من قبل شباب المقاومة، إضافة إلى لقطات تظهر فيها جثث جنود بملابسهم العسكرية ملقاة على الأرض. شكلت هذه الصور وغيرها صدمة للإسرائليين والعالم، ومثلت عرضا حيا للقدرات الفلسطينية وتذكر الجميع بأن النصر يتحقق إذا ماتوفر العزم والإرادة والتخطيط والتدريب الجيد.

لاتكمن أهمية عملية "طوفان الأقصى" في الصدمة المروعة التي أحدثتها في قادة جيش الاحتلال فقط، بل أيضا في الصدمة التي أحدثها في صفوف المطبّعين ودعاة التطبيع العرب الذين ما انفكوا يُبررون انتهاجهم هذه السياسة بحجة التفوق العسكري الإسرائيلي واستحالة المقاومة. وأوضحت هذه العملية بجلاء أن التطبيع اقتصر على الحكام أما الشعوب العربية فمازالت تحتضن القضية الفلسطينية، ولن تتخلى عنها، وبدا هذا واضحا في المظاهرات التي رأيناها في أكثر من دولة عربية وغير عربية، كما تجلى ذلك أيضا في تفاعل المواطنين العرب الإيجابي مع المقاومة الفلسطينية على صفحات التواصل الاجتماعي.

"طوفان الأقصى" فضحت أيضا ازدواجية المعايير لدى أمريكا ومن ورائها الدول الغربية التي سارعت بالاصطفاف إلى جانب دولة الاحتلال الإسرائيلي عقب عملية "طوفان الأقصى" ووصفوا المقاومة الفلسطينية التي تقاوم الاحتلال بالإرهاب، ومنحوا بذلك تفويضا دوليا لنتنياهو لارتكاب مجازر تحت مسمى حق الدفاع عن النفس، وهو ما يجعل المجتمع الدولي شريكا في هذه الجرائم كما جاء في بيان الخارجية الفلسطينية التي انتقدت تجاهل الغرب لأعداد الضحايا والدمار لدى الفلسطينيين وأشارت في بيانها إلى العمليات العسكرية الإسرائيلية الانتقامية التي جاءت ردا على "طوفان الأقصى" وطالت التجمعات السكنية في مختلف مناطق القطاع، وأدت حتى الآن إلى استشهاد 313 مواطنا فلسطينيا وإصابة حوالي 2000 جريح بمن فيهم الأطفال والنساء، وغالبيتهم من المدنيين العزل". وتساءلت الوزارة في بيانها أين ردود المجتمع الدولي حيال ذلك؟

كما تم تجاهل التدابير العقابية الجماعية التي فرضتها دولة الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، والتي وردت في تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي، حول قطع الطعام والشراب والوقود والكهرباء عن سكان غزة الذين وصفهم الوزير بأنهم "حيوانات بشرية" ما جعل منظمة «هيومان رايتس ووتش» تعلق على هذا التصريح بأن السلوك الإسرائيلي «مروّع» و«مثير للاشمئزاز» فضلاً عن كونه يرقى إلى جريمة حرب معلنة..

يحدث هذا فيما تقصف الطائرات الإسرائيلية البيوت على ساكنيها وتقتل أطفالا ونساء وعائلات بأكملها في محاولة يائسة من إسرائيل لاستعادة كرامة مرغتها المقاومة في التراب، وتداوي ذاتها الجريحة بالقتل العشوائي.