Atwasat

المياه: هل تكون سببًا في خلق تعاون عربي أفريقي ناجع؟

سونيا عاتي الإثنين 29 مايو 2023, 11:25 مساء
سونيا عاتي

تعتبر أزمة شح المياه من الأزمات التي تؤرق دولاً عدة وحكومات كثيرة على مستوى العالم، ويكفي أن نشير هنا إلى ما قام به المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2015 بإدراج ملف ندرة المياه كأخطر ملف من حيث التأثير خلال العقد القادم. كما وجب التنبيه إلى أن ثلثي سكان العالم يعيشون في ظروف قاسية للحصول على مياه الشرب فضلا عن الزراعة وغير ذلك.

منطقة المغرب العربي ليست بمنأى عن هذا الخطر، لعدم وجود أي خطط أو استراتيجيات لازمة للاستثمار في ملف المياه، والمحافظة على كميات المياه للأجيال القادمة.

وفي هذا الصدد تعيش دولة ليبيا على سبيل المثال نقصاً في مياه الأمطار وبناء السدود، معتمدة بالكامل على مياه النهر الصناعي الذي يزوّد مناطق الشمال بمياه الجنوب عبر أنابيب طويلة تمتد لآلاف الكيلومترات، وتصب في أحواض عملاقة في الشمال، دون التوسع في إنشاء مشاريع استراتيجية لزيادة وفرة المياه، مما يعني وقوع دولة ليبيا كغيرها من الدول في خطر شح الماء الصالح للاستعمال.

ومن هذا المنطلق ومحاولة لتفادي نُدرة المياه الصالحة والعمل على الاستثمار فيها باعتبارها أثمن سلعة، جرى إنشاء بنك المياه الدولي الذي يهتم بتمويل كافة المشاريع الاستراتيجية المتعلقة بالمياه والمحافظة على وفرتها، حيث يسعى أعضاء المجلس الاستشاري لبنك المياه الذين جرت تسميتهم من قبل البنك الدولي، وهم عبارة عن قادة تنفيذيين ورجال أعمال لوضع خطة وهيكلية كاملة لآليات التعاون مع المنظمات الدولية والحكومات على مستوى العالم.

عضو المجلس الاستشاري لبنك المياه الدولي وممثل البنك بالمملكة المغربية وشمال أفريقيا محمد بنجلون، وهو رجل أعمال له العديد من الإنجازات سواء على المستوى الشخصي أو بالتعاون مع عدة منظمات دولية، أدلى بتصريحات غاية في الأهمية تحضيرًا لزيارة وفد من البنك للمملكة المغربية خلال الفترة المقبلة جاء في ملخصها:

أنه ومن خلال بعض شركائه المؤمنين بالفكرة داخل ليبيا اتفقوا على إقامة ورشة عمل بعنوان «أزمة المياه ومعالجتها.. مقترحات وحلول» بالعاصمة الليبية طرابلس خلال الأيام القادمة، حيث يسعى المنظمون لهذه الورشة إلى تقديم مقترحات للسلطات الليبية لتطوير السياسة المائية من خلال التعاون مع الجهات ذات العلاقة وتشبيك العلاقة مع بنك المياه الدولي لتمويل بعض المشاريع الاستراتيجية للمياه.

وبناء على كل ما تقدم فإن بنجلون يسعى من خلال عدد من الشركاء في خلق اتحاد مغاربي للمياه، يساهم في توفير والحفاظ على الماء لدول المغرب العربي واستثمارها بشكل أكبر وأشمل في عدة مشاريع، من خلال نقل المياه الصالحة بين هذه البلدان حسب الحاجة.

كما يأمل بنجلون أن يكون هذا الاتحاد المغاربي للماء وسيلة لتعارف أكبر وتعاطف وتقارب بين الأشقاء العرب، بالإضافة إلى البعد الإنساني الذي يُعتبر من أولويات الحياة.

ويسعى بنجلون لتقديم خطة واضحة المعالم لربط دول المغرب العربي ببنك المياه الدولي من أجل استثمار استراتيجي في سلعة الماء من شأنه أن يفي بمتطلبات هذه الدول من حصتها العالمية من المياه الصالحة للاستخدام وإبقاء هذه الدول خارج منطقة الخطر وتشكيل تعاون استراتيجي مع عدد من الدول الأفريقية المجاورة لدول المغرب العربي.

على صعيد آخر أكّد بنجلون من خلال متابعته لملف المياه في دول شمال أفريقيا أن المملكة المغربية تولي اهتمامًا متزايدًا بموضوع المياه الصالحة للشرب والري، وقد ترأّس الملك محمد السادس بدايات شهر مايو الجاري جلسة عمل خصصت لتتبع البرنامج الوطني للتزوّد بالماء الصالح للشرب ومياه الري للأعوام من 2020-2027، حيث يندرج هذا الاجتماع في إطار العناية والرعاية التي توليهما المملكة المغربية لقضية الماء ذات الطابع الاستراتيجي، من قبيل الإسراع في مشروع الربط بين الأحواض المائية لعدد من المناطق على طول 67 كلم، وبرمجة إنشاء سدود جديدة بواقع 20 سداً يتوقع إنجازها في الفترة المقبلة، والتي ستمكن المغرب من رفع قدرته التخزينية ب 6.6 مليار متر مكعب من المياه العذبة وغيرها من المشاريع.

كما أكّد بنجلون أن أعضاء وخبراء من بنك المياه الدولي سيقومون بزيارة للمملكة المغربية، مما يجسّد التزام الرباط بالاتفاقيات الدولية للتخفيف والتكيّف مع آثار تغيّر المناخ وشح المياه.

وأكد بنجلون أن تمثيل المغرب للبنك الدولي للمياه له علاقة بعمق جيوسياسي وجغرافي عربي أفريقي، ويتماشى مع التوجيهات الملكية بخصوص الحفاظ على الماء باعتباره مادة حيوية ضرورية في الحياة.

وأضاف بنجلون أن المغرب يمتلك موقعاً استراتيجياً مطلاً على المحيط الأطلسي من شأنه أن يعطي هذا البلد أهمية أكبر في الاستثمار المائي.

كما أشار بنجلون لأهمية لعب الجامعة العربية دوراً مهماً في التعاون مع بنك المياه الدولي من خلال فتح آفاق أكبر مع الدول العربية كافة، باعتبار أن المنطقة العربية من المناطق المهددة بشح المياه، وأن دول الخليج على سبيل المثال تصرف أموالاً طائلة فيما يتعلق بموضوع تحلية مياه البحر، وأن هذا الأمر يتطلب وضع استراتيجيات جديدة لتخفيض هذه التكلفة بإنشاء استثمارات جديدة في قطاع المياه، خاصة إذا ما علمنا أن زيادة نسبة الملوحة في مياه الخليج العربي وصلت إلى 56 ألف بي بي إم، متجاوزة الحد الطبيعي الذي يتراوح بين 28 ألف و34 ألف بي بي إم، وأن كل ذلك يحتم على هذه الدول أن تتعاون تعاوناً حقيقياً وبنّاء للمساهمة في استثمار المياه وتوفيرها للجيل القادم، من خلال التعاون الكامل مع المنظمات المعنية التابعة للأمم المتحدة، والتي تهتم بموضوع الدراسات والمقترحات الهامة لكيفية الاستثمار في مجال الماء، في ظل رغبة عدد من المؤسسات الحكومية والاستثمارية الخاصة العمل على خلق تعاون اقتصادي مع بنك المياه الدولي.