Atwasat

براد الشاهي

محمد عقيلة العمامي الإثنين 01 مايو 2023, 03:24 مساء
محمد عقيلة العمامي

(جوزيف بروز تيتو 7/5/ 1892 - 4 /5/ 1980(انضم وشارك في الثورة البلشفية، ثم انضم إلى صفوف الجيش الأحمر ولما عاد إلى مسقط رأسه في كرواتيا ـ انضم إلى الحزب الشيوعي، وترأسه. ثم قام الاتحاد السوفيتي، وأصبحت يوغسلافيا ضمن هذا الاتحاد، فترأسها (تيتو). بدأت مسيرته في استقلال يوغسلافيا عن الاتحاد السوفيتي، وكان أحد المؤسسين لحركة عدم الانحياز وبفضل سياسته الاقتصادية والسياسية الناجحة ازدهرت يوغسلافيا اقتصاديا وعسكريا في الستينيات والسبعينيات. ظل همه، حتى وفاته، قمع أي حركة تزعزع الوحدة بين دول يوغسلافيا، إلى أن توفي العام 1980، عندها تفككت يوغسلافيا، ولكن لا يزال يتمتع بشعبيته في دول يوغسلافيا السابقة، كافة، حتى يومنا هذا.

ذلك كله كان جيلي يعرفه لأنه عاشر حركة عدم الانحياز ومؤتمر باندونغ، وعلاقته بالرئيس الراحل جمال عبدالناصر. ولكن ما لم أعرفه من قبل هو أن يوغسلافيا، حينها، كانت دولة بحجم قارة كاملة تمكن الزعيم (تيتو) من السيطرة عليها، وعاشت هذه القارة في وئام لم تشبه شائبة، سوى واحدة تمثلت في اقتتال سريعا تمكنت الهيئات اليوغسلافية، بمعونة الدول المحبة للسلام من تجاوزه.

إن ما لم أعرفه، من قبل، وباختصار شديد الآتي: في يوغسلافيا أبجديتان، بمعنى أحرف للكتابة والقراءة والتوثيق: واحدة لاتينية وأخرى سلافية، ودينان أساسيان (المسيحية بقسميها: الأرثوذكسية والكاثوليكية. والإسلام) وأربع ثقافات (اللاتينية والألمانية والسلافية والشرقية) وخمس جنسيات (الصربية والكرواتية والسلوفينية والمقدونية والمونتنغرية) وست جمهوريات (الصربية والكرواتية، والسلوفينية والمقدونية والمونتنغرية والبوسنية والهرزيغوفينية) وسبعة جيران (إيطاليا والنمسا والمجر ورومانيا وبلغاريا واليونان وألبانيا).
ومع ذلك لم يختلفوا في رؤية مواعيد أعيادهم.. ورؤية أهلتهم. صحيح أنه من بعد أن رحل (تيتو) حدثت مشاكل بل وحروب، ولكن لم يحدث أبدا من هذا الاقتتال في عهد تيتو، ولعل ذلك ما يؤكد الرأي الذي يقول يتعين أن يكون للوطن رئيس واحد وجيش واحد يحمي وحدة الوطن وحرية الرأي والقناعة بأن حرية المواطن تنتهي قبل أن تتعارض مع حرية جاره، طالما أنها لا تؤذي أحدا ولا تحيد المواطن عن الطريق الصحيح.

لم يخطر ببالي أن أسرد هذه المعلومات، وبمعنى أدق، ما كنت أعرف بعضها ما لم أجدها في كتاب يتناول بضع عجائب. فماذا حدث؟ تذكرت وجبة تناولتها في مطعم بمدينة زغرب، سنة 1971، حينها كنت أعمل مع وكالة تجارية، كانت وكيلة لمصنع ينتج أباريق متنوعة من الصفيح المطلي، منها (براد الشاي الليبي) وكنت أعتقد تسمية البراد لهجة ليبية، ولكنني اكتشفت أنها كلمة عربية مخصصة لما نستعمله للشاهي، أعني ذلك الإناء الذي يشبه وزة قاعدة بعنقها الطويل، كان البراد يتميز بخط ذهبي يحوط منتصفه، وكان الطلب عليه عاليا، ثم قررت الشركة إيقاف تصنيعه، ولا أدري كيف أقنعت صاحب الوكالة أننا لو سافرنا وتحدثنا معهم عن الطلب العالي على هذا البراد، وتعاقدنا على تصنيع كمية فقد يعيدون تصنيعه وبالفعل، سافرت إلى (زغرب) وأقنعتهم بإعادة تصنيعه، وكان لزاما أن أمضي الليلة في تلك القرية، التي كانت تقع على سفح جبل بعيد عن مركز المدينة، وتأخر الوقت، فحجزت لي الشركة في موتيل صغير، في موقع يطل على المدينة، وأصر مدير الشركة التجاري أن يبعث معي سائق الشركة إلى الفندق مؤكدا لنا أنه لو أسرعنا، فقد نلحق بطبق يشتهر به هذا البنسيون، وأن السائق سوف يطلب لي هذا الطبق، كان ذلك الزمن الاشتراكي، وكان العشاء، مع ضيف الشركة، فرصة ومكافأة للموظف البسيط، كان الطبق باختصار شديد (المكمور الليبي) ولا ينقصه سوى حزمة كسبر!، وتفاجأت أنهم يستخدمون براد الشاي ولكن لمرقة دافئة لمن يريد إضافتها لطبقه.

ولقد عدت إلى (زغرب) من بعد أن أصبحت عاصمة كرواتيا، وجدت دولة حضارية متقدمة، تضاهي في جمالها سويسرا وأكلت في عدد من مطاعمها، ولم أجد في قوائم أطباقها أثرا لا (للمكمور الليبي) ولا لبراد الشاهي.

لكل دولة ثقافتها ورجالها، منهم من يخلده الناس، ومنهم من يكون مجرد فاصلة أو علامة تعجب في كتاب التاريخ، الذي لم ينس أبدا.. أبدا كل من عمل على وحدة وتآلف الناس، ولو بكلمة طيبة، وقرار حكيم.