Atwasat

تهديد التيار المدني واحتجاز التواتي

عبدالله الغرياني السبت 11 مارس 2023, 09:38 مساء
عبدالله الغرياني

بدأت تظهر ملامح التيارات المدنية في مدينة بنغازي بعد مرور شهور قليلة على الانتفاضة الشعبية في السابع عشر من فبراير عام 2011م، وضمّت هذه التيارات توجهات سياسية وفكرية مختلفة وكان هناك شبه توافق على ضرورة العمل لتأسيس مجتمع مدني حر يكافح لتحقيق أهداف الثورة التي من أهمها قيام دولة مدنية ديمقراطية تصون كرامة الإنسان وتمنحه كامل حريته. ولكن سرعان ما انصدمت التيارات المدنية بظهور تنظيمات مسلحة متعددة الولاءات من أبرزها فرع تنظيم القاعدة جماعة "أنصار الشريعة".

ومن هنا تغير اتجاه التيارات المدنية لتنقسم لتيارات متعددة حافظ بعض منها على التوازن ما بين العمل السياسي والمدني، والأخرى اتخذت من التوجه المدني المُطالب بالتأسيس السليم لمؤسسات الدولة ومن أبرزها دعم قيام مؤسسات الجيش والشرطة كخطوة أولى لضمان حماية الشعب والدستور مستقبلاً وإنهاء التنظيمات المسلحة التي كان أغلبها أو جُلها موالية للتيارات الإسلامية التي كانت تتوافق كثيراً مع أنصار الشريعة.

اتحدت التيارات المدنية بشكل تضامني وعفوي في مراحل متعددة بعد العام الأول للثورة، وانطلقت لتقيم اعتصاماً معارضاً للإعلان الدستوري ومن ثمّ اعتصاما مناهضا لسياسات المجلس الوطني الانتقالي عرف باسم "اعتصام ميدان الشجرة"، وتظاهرات متكررة كانت تُقام أمام فندق تيبستي، الساحة البديلة التي اتخذتها التيارات المدنية لإقامة تحركاتها، لتنطلق بالتوازي موجة من التحريض والتكفير وترهيب اتجاه التيارات المدنية الناشطة وتحديداً التي عارضت بقوة التنظيمات المسلحة وجماعة أنصار الشريعة.

وطالبت بحل كافة التشكيلات المسلحة ودعم بناء الجيش والشرطة، ليتم استهداف التظاهرات التي دعت لها بالقنابل المتفجرة ويُلاحق النشطاء برصاص الغدر وتفخيخ سيارات بالعبوات الناسفة، والبداية كانت باغتيال القيادي بالتيار المدني والسياسي الليبرالي "عبد السلام المسماري" الذي تم قتله فور خروجه من صلاة الجمعة بشهر رمضان في بنغازي، نظراً لدوره البارز في تأسيس التظاهرات والتحركات المدنية المناهضة للتنظيمات المسلحة والهيمنة على القرار السياسي، لتستمر بعد اغتياله موجات التحريض ضد النشطاء الذين كانوا حول المسماري وساروا معه في نضاله المدني السلمي.

كان التحريض مرعبًا وانطلق من كل الاتجاهات نحو النشطاء من خلال الإذاعات المسموعة والصحف الإلكترونية ومواقع التواصل ليتطور الأمر إلى التحريض من منابر المساجد، ورغم هذا لم يتوقف النشطاء المدنيون واستمروا في الدفاع عن مبادئ ثورتهم وحلمهم في دولة ديمقراطية مدنية تضمن لهم حق العيش الكريم وتحفظ حقوقهم.

أسست التيارات المدنية العديد من الوقفات والتظاهرات أعلنت من خلالها رفضها لأي محاولة للهيمنة على القرار السياسي داخل السلطة التشريعية وحث الحكومات على جمع السلاح الذي خارج مؤسساتها العسكرية والشرطية النظامية، ورغم الاختلافات داخل هذه التيارات إلا أنها حافظت على التماسك فيما بينها لمواجهة خطر ظهور الإرهاب ومعارضته بالعمل المدني الموحّد، فكان النشطاء المدنيون الدروع البشرية التي تحمى مؤسسات الدولة وخط الدفاع عن رجالات الجيش والشرطة الذين كانوا ضمن أول الأهداف لدى الجماعات الإرهابية المسلحة، حيث كان يتم اغتيال رجال مؤسسات الجيش والشرطة بدم بارد دون تحرك من السلطات فكان التحرك الوحيد هو تحرك التيارات المدنية فور وقوع أي حادث اغتيال.

وأصبحت التيارات المدنية نقطة وحلقة وصل بين المؤسسات العسكرية والشرطية والشارع، فكان الفريق الراحل ونيس بوخمادة آمر القوات الخاصة - الصاعقة، كثير التواصل مع قيادات التيار المدني وكذلك اللواء جمال الزهاوي آمر الكتيبة 21 صاعقة والتي تعرف بكتيبة "شهداء الزاوية"، وتركز هذا التواصل على دعم هذه الوحدات النظامية والمطالبة بتوفير الإمكانيات لها لتحافظ على الوجود العسكري النظامي داخل مدينة بنغازي والحد من انتشار وتمدد التنظيمات المسلحة الإرهابية، كذلك توجهت التيارات المدنية نحو دعم المؤسسة الشرطية والأمنية والاحتجاج على استهداف مراكز الأمن والاستهداف المتكرر للدوريات الأمنية. عملت التيارات المدنية بكل إخلاص وعرّضت نفسها للخطر الذي وصل إلى الموت لأجل هذه المؤسسات.

اجتازت التيارات المدنية تلك المرحلة بعد حرب شرسة استمرّت أربعة أعوام قادتها الوحدات العسكرية والمسلحون المساندون لها بقيادة المشير خليفة حفتر وانتهت الحرب بهزيمة التنظميات المسلحة الإرهابية، وخلفت دمارًا هائلًا في واجهة المدينة العمرانية وفي الأرواح وشرخًا اجتماعيًا بين الأسر والعائلات.

والغدر بالعديد من النشطاء المدنيين وقتلهم بشكل وحشى، توحدت التيارات المدنية ووقفت في محاربة الإرهاب كون هذا الخيار الأخير الذي أصبح متاحًا، وأثناء وبعد الحرب استمرت التيارات المدنية في نشر رسالتها وأهدافها ومحاولة العمل على تأسيس مناخ مدني ديمقراطي بعد انتهاء عهد الإرهاب، ولكن تولدت تيارات أخرى صنعتها المؤسسات التي كافح وضحّى لأجلها نشطاء التيارات المدنية الحرة واعتقدوا فور قيامها أنها ستضمن لهم مناخاً حراً، وتكون جاهزة لحمايتهم من أي خطر قد يتعرضون له، ليحاول النشطاء توجيه المؤسسات نحو الطريق الذي يليق بها وبالمستقبل وإبعاد شبح الهيمنة على الجيش والمؤسسات الأمنية.

ولكنَّ الأصوليين والانتهازيين كان لهم رأي آخر من خلال تأسيس جماهيرية ثانية وصناعة أخ عقيد وإلزام المجتمع على طاعته وتحريم الخروج عليه وتجريم معارضته، وتطور الأمر حتي برز أبناء الأخ العقيد في نسخة ليست مختلفة عن سابقه؛ ليخرج راعى الرياضة، ومهندس السياسة، وأمراء كتائب مسلحة مجحفلة، وشيخ سلفي على حساب التضحيات الجسيمة التي قدمتها مدينة بنغازي للخلاص من الإرهاب.

وهذا يتعارض كلياً حتي مع العهد الذي تعهد به المشير خليفة حفتر في أوائل الحرب على الإرهاب عندما أكّد مراراً بأنه يريد محاربة الإرهاب وبناء الجيش ولا يرغب في الحكم، ولذلك أصبح نشطاء التيار المدني الحر يمارسون النقد الذي يوجّه المسؤولين نحو تأسيس سليم حتي لا تضيع البوصلة وتقع البلاد من جديد في تصادمات ترجع من خلالها إلى الخلف.

ولا أخفي في هذا السرد بأني كنت وفي سنوات الحرب على الإرهاب وبعدها داعماً للمشير خليفة حفتر وكنت أنظر إليه كقائد منحازٍ للشعب ومخلصٍ لقراره الذي أقرّ به في بدايات الحرب على الإرهاب، فعقلي لم يستوعب بأن يتم التأسيس لجماهيرية جديدة بقيادته هو وأبنائه الذين حاربوا مع أهل بنغازي والليبيين أجمع لإنهاء حكم الدكتاتور العقيد القذافي قبل عقد، فكيف اليوم بعد حروب مريرة وخسائر لأجل الحرية والديمقراطية تؤسس هذه العائلة جماهيرية جديدة! يُقتل فيها الأحرار ويُسجن بها النقاد ويُطرد منها الشرفاء.

كيف يكررون الجماهيرية من جديد، في ظل الفضاءات الإلكترونية المفتوحة التي بين يدي كافة الشعب؟. الجماهيرية الجديدة مرفوضة، فالعالم يتجه نحو الحريات ويتغير باستمرار، ولو بإمكان شخص حكم الشعب على طريقة سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي؛ فالمعارضة اليوم لديها أدواتها المختلفة.

لذلك أكرر من منطلق المعارض الناصح، ابتعدوا عن فكرة تأسيس الجماهيرية وارفعوا أياديكم عن الذباب الإلكتروني المحرّض على النشطاء والمرتزقة السياسيين الذين يغامرون بكم وبالجيش، وارفعوها عن الإعلاميين المخادعين والصحفيين السماسرة الذين تصرفون عليهم الأموال الطائلة من أجل استثمارهم كأدوات لصناعة الجماهيرية الجديدة .

أحمد سعد التواتي ليس عدواً لكم إذا كنتم تدركون معنى كتابته وحديثه عبر وسائل الإعلام، فأحمد ابن بنغازي وناضل لأجلها، أحمد رفيقنا ورفيق الشهيد المسماري سندافع عنه حتى يخرج من السجن، أحمد هو «جمعة إنقاذ بنغازي» ومواجهة الظلام، أحمد المصالحة الوطنية والعفو العام والسلام ومبادرات الحلول السياسية المثالية التي تنهي الصراع على السلطة وتؤسس لشراكة سياسية تقود البلاد نحو الاستقرار الدائم.

لا يمكن بأي شكل من الأشكال قبول احتجاز الأقلام الحرة وحجب الحرية ومطاردة الحقيقة في هذا العصر والزمن، عليكم معالجة أنفسكم والإصلاح من أوضاعكم وإنهاء بطش واستبداد الحلقات المحيطة بكم، الحرية لأحمد التواتي والحرية لبنغازي ولليبيين في كل مكان، وسيبقى نشطاء التيارات المدنية الحرة مهما اختلفوا فيما بينهم البوصلة التي توجه الشارع وعموم الشعب لنيل حريتهم، لن يدوم حاكم على الكرسي ولا تستمر الشعوب في السكوت وإن طال الزمن، سيسقط الحاكم عندما يتحدث الشعب، فافعلوا خيراً حتى يُغفر لكم في المستقبل.

الحرية لأحمد التواتي والموت للاستبداد وأدواته.