Atwasat

كيفية التفكير والحديث عن الإسلام

فريد زكريا الإثنين 13 أكتوبر 2014, 09:33 صباحا
فريد زكريا

عندما يُعلن المضيف التلفزيوني «بيل ماهر» في برنامجه الأسبوعي أنّ «العالم الإسلامي لديه كثيرًا من القواسم المشتركة مع داعش»، ويتّفق معه ضيف الحلقة الكاتب «سام هاريس» بحجة أنّ الإسلام هو «منبع الأفكار الفاسدة»، فإنني أدرك لماذا ينزعج الناس، لقد انتهى ماهر وهاريس إلى تبسيطات ومبالغات غير دقيقة. ومع ذلك، فقد كانوا يتحدّثون أيضًا عن شيء حقيقي.

إنني أعرف كل الحجج التي تفنّد الحديث عن الإسلام بوصفه مرجعًا للعنف والرجعية، فهو يتمتّع بقاعدة واسعة من الأتباع تصل إلى 1.6 مليار شخص، وتتمتّع دول مثل إندونيسيا والهند بمئات الملايين من المسلمين الذين لا تنطبق عليهم هذه الأفكار الكرتونية. وهذا هو السبب وراء اقتراف ماهر وهاريس خطيئة التعميمات الفادحة. ولكن دعونا نكون صادقين. يُعاني الإسلام من مشكلة اليوم. فالأماكن التي تعاني مشكلة المواءمة مع العالم الحديث هي الدول التي يعيش فيها المسلمون أكثر من غيرهم.

في العام 2013، كان المسلمون يمثّلون 7 من أكبر 10 جماعات ارتكبت هجمات إرهابية. وكانت الدول التي تضم غالبية مسلمة تمثّل 7 من أول 10 دول وقعت فيها هجمات إرهابيّة. في الوقت نفسه يصنّف مركز «بيو» للأبحاث الدول على أساس القيود التي تفرضها الحكومات على حرية ممارسة الدين. ونجد أنّ الدول التي تضم غالبية مسلمة تمثّل 19 من الدول الـ24 الأكثر تقييدًا لحرية الدين. والدول الـ21 التي لديها قوانين ضد الردّة، كلها ذات غالبية مسلمة.

وتعاني المجتمعات الإسلامية من سرطان التطرف اليوم. هناك أقلية صغيرة من المسلمين تتبنّى العنف والتعصب وتتّخذ مواقف رجعية صارمة تجاه المرأة والأقليات. وبينما يواجه بعض المسلمين هؤلاء المتطرّفين، فإنهم لا يفعلون ما يكفي لصدهم، وتتّسم الأصوات الاحتجاجية بأنها ليست عالية بما فيه الكفاية. فَكَم تظاهرة حاشدة خرجت اليوم في العالم العربي احتجاجًا ضد جماعة «الدولة الإسلامية (داعش)»؟

إنّ عبارة «الإسلام اليوم» تتّسم بالأهمية. وتكمن المشكلة المركزية في تحليل ماهر وهاريس أنها تتناول واقعًا -هو التطرف في الإسلام- وتصفه بطريقة تشير إلى أنه «متأصّل» في الإسلام. يقول ماهر إنّ الإسلام هو «الدين الوحيد الذي يتصرف تصرف المافيا، فهو يقتلك قتلاً إذا قلت الكلمة الخطأ أو رسمت الصورة الخطأ أو ألّفت الكتاب الخطأ». إنه مصيب بشأن تلك القسوة ولكنه مخطئ في ربطها «بالإسلام» بدلاً عن ربطها «ببعض المسلمين». ثق بي، بيل، إذا كان 1.6 مليار مسلم يتصرّفون بهذه الطريقة، لكنت ميتًا بالفعل.

تعاني المجتمعات الإسلامية من سرطان التطرف اليوم

يتفاخر هاريس بتقديمه تحليلاً دقيقًا -بفضل الدكتوراه التي يحملها. تعلّمت في الدراسات العليا أنه لا يمكنك تفسير ظاهرة متغيرة مستخدمًا قضية ثابتة. لذلك، بما أنك تؤكد أن الإسلام عنيف وغير متسامح «بطبيعته»- أي «منبع الأفكار الفاسدة»- وبما أن الإسلام موجود منذ 14 قرنًا، لكنا قد شهدنا 14 قرنًا من هذا السلوك.

يجب على هاريس أن يقرأ كتاب زخاري كارابيل «السلام عليكم: أربعة عشر قرنًا من الصراع والتعاون بين المسلمين والمسيحيين واليهود»، وسيكتشف أن المسلمين كانوا يخوضون الحروب ولكنهم عاشوا أيضًا قرونًا عدة في سلام. وكانت هناك عصور قاد فيها الإسلام طليعة الحداثة وفترات أخرى، مثل اليوم، عانى فيها من تقاعس كبير. وكما أوضح كارابيل لي، «إذا ما استثنينا السنوات الـ70 الماضية أو نحو ذلك، كان العالم الإسلامي بصفة عامة أكثر تسامحًا تجاه الأقليات من العالم المسيحي. ولهذا السبب كان هناك أكثر من مليون يهودي يعيشون في العالم العربي حتى أوائل الخمسينات من القرن العشرين. وكان هناك حوالي 200 ألف يهودي في العراق وحده».

إذا كانت هناك فترات تميّز فيها العالم الإسلامي بالانفتاح والحداثة والتسامح والسلام، فإن هذا يشير إلى أن المشكلة ليست في جوهر الدين، وأن الأمور يمكن أن تتغيّر مرة أخرى. لماذا إذن يُطلق ماهر هذه التعليقات؟ وأنا أفهم أنه كمثقف عام يشعر بالحاجة إلى التحدث عما يراه حقيقة ناصعة (على الرغم من أنّ تلك «الحقيقة» مبسّطة ومبالغ فيها). ولكن هناك بكل تأكيد مهمة أخرى للمثقف العام، وهي محاولة تغيير العالم للأفضل.

فهل يظن حقًا أنّ تشبيه الإسلام بالمافيا سيُحدث هذا التغيير؟ يقول هاريس إنه يريد تشجيع «المسلمين بالاسم الذين لا يأخذون الإيمان على محمل الجد» حتى يصلحوا دينهم. إذن، فإن استراتيجيته لإصلاح الإسلام هي أن يخبر 1.6 مليار مسلم، معظمهم تقي ووَرِع، بأنّ دينهم فاسد وعليهم التوقف عن أخذه على محمل الجد؟

ليست هذه هي الطريقة التي انتقلت بها المسيحية من أحضان قرون طويلة من العنف والحروب الصليبية ومحاكم التفتيش وحرق الساحرات والتعصب إلى حالتها الحديثة. على العكس من ذلك، لقد احتفى المفكرون وعلماء الدين بعناصر الدين التي تتّسم بالتسامح والتحرر والحداثة، وأكدوا عليها، في حين أبرزوا للمسيحيين الملتزمين الأسباب التي تجعلهم يفخرون بإيمانهم. وسينجح نهج مماثل -يقوم على الإصلاح إلى جانب الاحترام- مع الإسلام على مر الزمن.

إنّ المخاطر كبيرة في هذا النقاش. يمكنك المحاولة إما لكي يتصدّر اسمك الأخبار وإمّا لكي تُحدِث فرقًا. وآمل أن يبدأ ماهر في تبنّي المسلك الثاني.

(خدمة واشنطن بوست)