Atwasat

هشاشة المستقبل

أحمد الفيتوري الثلاثاء 01 فبراير 2022, 02:32 مساء
أحمد الفيتوري

«كم من عناصر عدم الاستقرار، نجدها أمامنا تتقافز، ولكن تركيبتنا النفسية، تمنعنا من الاعتراف بالمخاطر».
- محمد الرميحي

«شعب الله المستعجل»، الكنية التي وصمّ سودانيون بها الليبيين، جاء ذلك في رسوم ساخرة، وتأليف قصص شفهية مبالغة، وتنكيت وتبكيت، على حالة الليبيين، من أصابهم متلازمة، خذ كل شيء على عجل. وحين ذكرت ذلك لزملاء وأصدقاء، في مجالي الكتابة والصحافة، اعتبروا أن هذه الدعابة الماكرة، يمكن اعتبارها، ولما لا، وصفة للشخصية الليبية، منذ العقد السابع في القرن الماضي. حيث اجتاح المجتمع الليبي، جائحة نظام انقلاب عسكري، قلب حياتهم، كما ريح زمهرير، ضرب الأخضر واليابس. فكان النظام، في حمى التغير الدائم، وقائده العقيد معمر القذافي: «على قلق كأن الريح تحتي/ أوجهها جنوبا وشمالا»، أو كما قول المتنبي. لقد غير التقويم واسم البلاد مرات، من الجمهورية إلى الجماهيرية، فالجماهيرية العظمى، وكذا علم البلاد، كما غير معظم تفاصيل الحكم والدولة.

هكذا فقد الليبيون يومهم، في قلق سياسي، حيث وفر الذهب الأسود للقذافي، أن يحول البلاد إلى مغامرة في الحكم والتسلط. كذا فعل الذهب الأسود فعله، في حياة الليبيين، من ضربوا بوهم الثراء، ذا الوهم، جعل الشخصية الليبية قلقة، حيث تفتقد للاستقرار السياسي فالاجتماعي، مما انبثق عنه سيولة في الزمان، أرضيتها المكان الفسيح، ما سمته الصحافة العالمية إمبراطورية الرمل، هذا المصاب الأساس، لتلك الكنية /الدعابة السودانية.

وهذا التشوه دعمته السياسة، ما استندت على اقتصاد ريعي، حاله في السوق، كحال السفين الخشبي المهترئ، في البحار العلية، الصاخبة الرياح والأمواج. لذا فإن أضلع المثلث الليبي، كما مثلث برمودا، كل أضلعه رجراجة، يحكمها قلق مستميت، رغم أن ظاهرها، حكم العقيد ما استمر لأكثر من عقود أربعة. العقود ما كانت خلالها، ليبيا البلاد القلقة، التي لا تعرف يومها، وأُنكر ماضيها، وبالتالي لا أفق لها (مستقبل)، من الناحية السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وقد جعل ذاك، أحد الصحفيين الليبيين، يحث على: «حرق آبار البترول»، ما شخصه كوبال ومرض عضال.

ما بعد الاستعمار تم الاستبعاد، للدول المستعمرة السابقة الصغيرة، ما ليست على طاولة الحرب الباردة، فأمست ليبيا كما الصومال وأفغانستان وغيرهما، من البلدان المستبعدة، من الخارطة السياسية لتلكم الحرب. ومن المعاني الشرسة لذا الاستبعاد، أن تعيش البلاد في حالة حصار عفوي، باعتبارها ليست في الصورة. هذا ما زاد وضخم دور العقيد القذافي، وأوهامه حول الدور العالمي، لصاحب النظرية العالمية الثالثة. لقد وضعت ليبيا في كماشة الاستبعاد، فعاش الليبيون في حصار من الخارج، واستفراد في الداخل، من قبل نظام كينونته (دون كيخوتيه)، يحارب طواحين الهواء.

من ذا نلتمس حيرة، بعض المفكرين والمثقفين الليبيين، من كان مبحثهم في المسألة الليبية، مبحثا أصيلا، تشكل كتساؤل: ليبيا من أين؟، ليبيا إلى أين ....إلخ. خاصة أنهم لم يجدوا، معينا للبحث في مسألتهم. فالبلاد تقع عند الآخر، في قارة أطلس المفقودة، ما لم يستحث أحد، للكشف والدراسة، فنتج بعض من البديهيات والمطلقات، والنتائج المبنية للمجهول، أو لمبدأ المصادرة على المطلوب.

وبالمناسبة، هناك مثل إغريقي، أردده كثيرا: حجر الأساس عادة هو الحجر المنسي، وقد وجدت فيه إضاءة، لتعليل الهوس الدولي، على مستوى السلطة العليا، منذ عقد بالمسألة الليبية. فالمؤتمر الدولي ينطح المؤتمر الدولي، ومن البلاد الكبرى، ما عقدت أكثر من مؤتمر، كبرلين وباريس، ما على رأسها، كان قادة تلك البلدان الكبرى. والحجر المنسي تاريخيا، ليبيا بلاد الجغرافيا، ما هي حجر الأساس، ما تمَ استبعاده، زمن الحرب الباردة، يعود اليوم إلى «لعبة الأمم»، باضطرابه وما يشكله من تهديد، ويلح وجوده، و«لعبة الأمم» الساعة حامية الوطيس.

إن عدم الاستقرار، ما يتقافز أمام الأعين، على قول الرميحي، لبّ هشاشة المستقبل، ما يفترض أن الحاضر أمسه. وجميعنا يدرك، أننا نستيقظ من النوم، بدافع يوم جديد، ما يوقظنا حتما ويدفع بنا أن نكون. هشاشة المستقبل، ما يشوه حاضر الإنسان والبلاد، يصيبها بنومة الكهف. وعليه حلّ باب اليوم المغلق، غير مستطاع دون أفق. ليبيا اليوم تفتقد البوصلة، لأنها لم تيأس من يومها المدلهم بعد، ومنه لم تترسم الغد. والمقاربات تتم في أطر التفاصيل، حيث لا يكمن إلا الشيطان، وما يبحث الآن وهنا، لا يعدو أن يكون هجاء الحاصل، ومنه مديح الزمن الجميل.

_____________________________

- مقالات الكاتب: أحمد الفيتوري