Atwasat

المشروع الوطني

بشير زعبية الإثنين 03 يناير 2022, 10:25 صباحا
بشير زعبية

كل المشاريع العابرة للحدود، التي تبناها جيل ما بعد انتهاء حقب الاستعمار في منطقتنا، سقطت، بخطاباتها وشعاراتها وأناشيدها، ورحلت النخب التي قادتها، كما رحل من حكموا شعوب المنطقة تحت عناوينها، هزّت هزيمة 1967 المشروع القومي وخلخلته وشتت آباءه المؤسسين، ليلحقه بعد 20 سنة المشروع الاشتراكي بزوال الاتحاد السوفيتي عباءة المنظومة الاشتراكية.

أما مشروع الإسلام السياسي الذي تصدر المشهد على أنقاض المشروعين، فقد ظهر مربكاً ومفككاً ومفرقاً غير جامع، تحت قيادة أسماء، ارتبط بعضها بخطاب التطرف؛ بل وبمسلك الإرهاب لتحقيق أجندته، بينما بقي المعتدلون بعيدين عن الصدارة، ويبدو أن المشروع الوحيد الذي كُتب له أن يثمر وينتصر، هو مشروع مقاومة المستعمر وتحقيق الاستقلال، وهو مشروع وطني في الأساس، وأرى أن غياب المشروع الوطني في فترة ما بعد الاستقلال، هو المسؤول عن الحالة البائسة التي آلت إليها بلدان المنطقة وشعوبها، والتي ظلت تبرر عجزها وجمودها وتخلفها بسبب استعمار انتهى منذ ما يقرب من ثلاثة أرباع القرن، فيما تتجاوزها بلدان العالم من حولها، وتتقدم وتحرق المراحل، وتعمق كل يوم الهوة الحضارية بينهما، وأعتقد أننا لن نخرج من هذه الحالة في غياب مشروع وطني واضح، وجامع، ومحدد، ومؤطر.

إن غياب المشروع هو غياب لنا في هذه الخارطة السياسية والاقتصادية، وحتى الاجتماعية التي تتشكل وتنتج متغيرات كبيرة، قد تهدد على المدى البعيد كياناتنا بالذوبان ضمن حدود ومسميات ومصطلحات جديدة تفرضها هذه المتغيرات، ونحن الليبيين كجزء من المنطقة معنيون بكل هذا، ولن نخرج منه دون التوافق على مشروع وطني بهوية ليبية، وتفكير على رأس أولوياته قراءة جديدة للواقع الذي نعيشه في الداخل، وفي ما يجري من تحولات ومتغيرات من حولنا، وإعادة تأهيل أنفسنا وفق معطيات العصر وعبر مصالحة بناءة بين الأصالة والمعاصرة، وإطلاق العنان للخيال والإبداع، مع إعادة اكتشاف ما منحته لنا الأرض والجغرافيا من إمكانات، موقع يتوسط العالم، ويشكل بوابة أفريقيا المفتوحة على البحر المتوسط، بساحل يقارب الـ2000 كلم، مؤهلٍ لأن يكون مقصد السياح القادمين من الشمال، وإنشاء الموانيء متعددة الأغراض وأحواض بناء وصناعة السفن، وبحر يحوي ثروة سمكية هائلة جعلها مطمع الصيادين الوافدين من كل اتجاه، نفط وغاز، وثروات معدنية أخري تكتنزها صحراء مؤهلة أيضاً لتكون مزاراً للسياحة الصحراوية العالمية، مدن أثرية متكاملة، بمسارحها الرومانية القابلة لتكون أمكنة للمهرجانات الدولية، رقع زراعية ممتدة على الساحل تكتظ بمئات الآلاف من أشجار النخيل والزيتون، وسهول يمكن تحويلها فوراً حقولاً للقمح والشعير، واحات تزخر بأجود أنواع التمور القابلة للتصدير، كل إمكانات الاكتفاء الذاتي من الغذاء متوفرة..

من قال إن النفط وحده هو ثروة الليبيين ومصدر رزقهم الوحيد؟.. بيدنا أن نبني اقتصاداً قوياً متحرراً من الهيمنة الأبوية للدولة، يقوم على عدالة توزيع الفرص والمنافسة، فلنفكر في مشروعنا الوطني بإعادة اكتشاف الذات، والاستثمار في مجال المعرفة والعلم إلى أقصى حد، وفي إعادة بناء وتأهيل مجتمع معاصر مستنير، وكل هذا له لا شك شروط، أولها تحقيق الدولة المدنية الديمقراطية، دولة المؤسسات دولة القانون، والفصل بين السلطات، وحماية المواطن، واحترام حقوق الإنسان..

دولة تأخذ كل هذه المعطيات أساساً في بناء علاقاتها مع الإقليم، ومع العالم، سنكون خلال أقل من ثلاثة عقود جزيرة صغيرة وسط محيط بشري يقترب من الـ400 مليون من البشر يعيش أغلبهم في بيئات طاردة، وعلينا أن نعد لهذا المستقبل بدافع وطني ملخصه: «ليبيا أولاً»، كفانا هدراً للوقت والفرص، العالم يركض بأقصى سرعة، ولن ينتظرنا..