Atwasat

دليل أكسفورد ومصلحة الجمارك الليبية

سالم العوكلي الثلاثاء 28 ديسمبر 2021, 10:39 صباحا
سالم العوكلي

عن هيئة البحرين للثقافة والآثار، صدرت الطبعة العربية من دليل أكسفورد في الفلسفة. تحرير تِد هُنْدرتْش. ترجمة د. نجيب الحصادي. وهو عمل ضخم بذل فيه المترجم جهدا جبارا طيلة سنوات لينضم إلى المكتبة العربية كمرجع فلسفي وفكري مهم لكل المشتغلين في حقول العلم الإنسانية والتطبيقية المختلفة.

يرد في تصدير الكتاب: "مرجع نادر يتميز بالدقة والعمق والشمول وبتنوع المساهمين فيه. نال شهرة واسعة، منذ طبعته الأولى الصادرة عام 1995 التي تم تنقيجها وأُضيفت إليها مداخل جديدة في طبعة ثانية هي المنقولة، هنا، إلى العربية. الحصيلة: 2230 مدخلا وضعها 291 متخصصاً، منهم 34 فيلسوفا من جامعة أكسفورد.

هذه المداخل مدعمة بمقالات مطولة في فروع من المعرفة وفي مدارس ونظريات ومناهج ذات صلة بالفكر الفلسفي. وراجع هذا الدليل التونسي د. منير الطيباوي، الذي اعتبره نجيب الحصادي في مقابلة معه حول هذا المشروع في برنامج "روافد" الذي يقدمه الأستاذ أحمد علي الزين في قناة العربية، شريكا في الترجمة وليس مراجعا فقط نظرا لتمكنه الواسع من عدة لغات ولدقته اللامتناهية في سبر أغوار اللغتين.

لن أطنب في الحديث عن أهمية هذا المرجع الكوني، وأهمية نقله لأول مرة إلى اللغة العربية. لكن سأتحدث عن واقعة تعكس مدى ما يتعرض له الكِتاب والعاملون في حقل الكتب من تأليف ونشر في هذه البقعة من العالم التي أصبح الظلام فيها يدير كل المؤسسات، وأعني ليبيا. فهذا المشروع لقى احتفاءً كبيرا في الأوساط الفكرية والثقافية العربية، واهتماما قل نظيره من العاملين في مشروع الترجمة بهيئة البحرين للثقافة والآثار، الذين أرسلوا للدكتور نجيب عدة نسخ كهدايا بعد صدوره، غير أن موظفي مصلحة الجمارك في ليبيا كان لهم رأي آخر، فاحتجزوا النسخ /الهدايا في طرابلس لمدة شهر، واشترطوا على المترجم أن يدفع مبلغا لفرع شركة دي إتش إل في بنغازي لكي يُفرج على هداياه من الكتاب في طرابلس، طالبين منه فاتورة الشراء، وأخبرهم بعدم وجود فاتورة لأن نسخ الكتاب هدية من الناشر للمترجم.

وأاضطر د. نجيب لدفع 800 دينار مقابل أن يستلم هديته من النسخ التي لا تتجاوز عدد أصابع اليدين. ولا أعرف كيف قدّر هذا المبلغ الضخم بالنسبة لكتاب دون فاتورة شراء من المصدر. لكن المزاج الليبي أصبح يشكل نوعا من القانون الساري ومن الإجراءات في مؤسسات كثيرة.

واضطُرَّ لشراء جهد سنوات من عمره في ترجمة هذا الدليل، بينما مصلحة الجمارك اشترت فرحته بهذا الإصدار الذي اعتبره مشروع عمره في نقل كنز معرفي إلى لغتنا العربية. وكان نجيب قد قرر توزيع هذه النسخ مجاناً على مكتبات في الجامعة الليبية ليستفيد منها أكبر قدر من الطلاب في جميع التخصصات، ومن أعضاء هيآت التدريس.

لا أعرف طبيعة العلاقة أو الاتفاقية بين شركة الشحن البريدي ومصلحة الجمارك، ولكن، لأن طَرْد نسخ الكتاب الهدية وصل عن طريق شركة دي إتش إل التي عادة ما تدفع الضريبة نيابة عن المستلم ثم تبعث له الفاتورة قبل استلام البضاعة حين تكون تجارية ومرفقة بفاتورة، فإنه يرد في موقع الشركة هذا النص القانوني وفق ترتيباتها مع المؤسسات الجمركية: "تُعرّف الهدية على أنها شيء يرسله شخص عادي مباشرة إلى شخص آخر، ولا تخضع البضائع من هذا النوع عند استيرادها لضريبة/ضريبة القيمة المضافة إذا كانت قيمتها دون الحد الأدنى المعتمد محليًا.".

ولم أجد ذكرا لهذا الحد المعتمد في قانون الجمارك الليبي غير أنه في الولايات المتحدة على سبيل المثال يقدر ب 15 ألف دولار.

كما يرد في قانون 10 للعام 2010 بشأن الجمارك . المادة 184 . "تعفى من الضرائب الجمركية وغيرها من الرسوم والضرائب بشرط المعاينة الأشياء الآتية. وفي البند رقم 6 يُذكر "الهدايا والهبات والعينات الواردة للأفراد وللأمانات ومصالحها." فهل لأن الكتاب ضخم ومن مجلدين بعدد 1950 صفحة أوحى لموظفي الجمارك أنه بضاعة وفرضوا عليه ضريبة؟!. وفقا لوزنه؟.

لا أدعي الفهم في القانون الجمركي، لكني أقيّم هذا الأمر من منطلق أخلاقي، وفلسفة القوانين أن تراعي الحد الأدنى من الأخلاق والنزاهة والذوق في كل ما تسنه، فحين يعكف مترجم خمس سنوات على ترجمة مرجع موسوعي مهم لكل المكتبات والجامعات الليبية، ويجد فرصة طباعته في مطابع مؤهلة خارج ليبيا، وحين ترسل له الجهة الناشرة نسخا من كتابه كهدية يضطر لدفع مبلغ مالي ضخم بالنسبة لكتاب كضريبة، فبالنسبة لي، يُعد هذا إجراء لا أخلاقيا، وإذا كان موجودا في قانون الجمارك الليبية ينبغي مراجعته وتعديله حتى لا يضطر كل مؤلف أو مترجم ليبي لشراء نسخ مهداة من كتابه بأضعاف ثمنه من الجمرك الليبي كلما طبع كتابه خارج ليبيا مع ما تعانيه ليبيا من فقر في الطباعة والنشر والتوزيع.

خصوصا أن ثمة مادة في قانون الجمرك الليبي تعفي المواد المستوردة من أجل التنمية الزراعية أو الاقتصادية أو البشرية. وفي الحصيلة اشترى المترجم النسخ المهداة من كتابه من بازار الجمرك الليبي المزاجي، وأهداه إلى مكتبات بعض الجامعات الليبية، وسيكون مرجعا مهما ومجانيا لأبناء أو أحفاد موظفي الجمرك حين يحتاجونه في الجامعات.

لا أعرف ماذا يحصل مع الكِتاب في ليبيا والمطبوعات جلها؟! فهي التي تواجه العراقيل في تنقلها في هذه الأرض التي تتفسح فيها كل السلع الضارة والمهلكة دون عراقيل، من أسلحة ومخدرات ومواد غذائية مسرطنة أو منتهية الصلاحية، ومئات الألوف من السيارات الخردة التي تصل عبر الموانئ الليبية وتفتك بحيوات آلاف الليبيين على الطرقات، رغم أن القانون يمنع استيرادها.

لا أحد يعترض هذا الانسياب المهدد لحياة البشر ولاقتصاد الدولة، لكن الكتاب وحده هو ما يتعثر في هذه الأرض الوعرة، وهو ما يطبق عليه القانون الخارج في الواقع عن القانون، فلم اسمع بهدية تأتي في طرد عبر البريد ويدفع عليها مبلغ أعلى من سعرها إلا في مصلحة الجمارك الليبية.

ستصدر قريبا الطبعة الثالثة من قاموس كيمبريدج للفلسفة عن دار (معنى) للنشر والتوزيع بالسعودية، وهو قاموس عكف عليه نجيب الحصادي سنوات أخرى. عدد صفحاته 2525. وأختار له نجيب المُراجع التونسي نفسه، د. منير الطيباوي، لثقته التامة في دقته وإتقانه.

ويرد في التصدير على الغلاف: "هذا هو القاموس الأشمل للمصطلحات الفلسفية والمفكّرين الفلاسفة المتوفّر بالإنجليزية. وكان اعتُبر في السابق قاموس الفلسفة الأوثق والأيسر بأي لغة، وتُرجم بشكل واسع وأعان ممارسي الفلسفة وطلابها في مختلف أرجاء العالم.

وقد شارك في إعداد مداخله أكثر من 550 خبيرا – منهم 100 خبير جديد في هذه الطبعة الثالثة – وهو يحتوي على ما يقرب من 5000 مدخل، بعضها تعريفات قصيرة وبعضها مقالات مطوَّلة.

وهو يعرِّف المصطلحات الفلسفية بأسلوب مختصر، ويشرح الأفكار الفلسفية بشكل عيني، ويصف الفلاسفة من خلال سرد معلومات عنهم. وقد صُمّم لتيسير فهم الفلسفة على كل المستويات وفي جميع الحقول.".

وتعتبر ترجمة دليل أكسفورد وقاموس كيمبريدج حدثا مهما، وربما سيكون حدث نصف القرن على الأقل في مجال ترجمة االفكر إلى العربية.

فهل سيشتري النسخ التي سوف يرسلها له الناشر قريبا كهدية، مرة أخرى، من سوق الجمارك الليبي؟. قد يحدث، وأنا على يقين أنه سيوزعها على مكتبات الجامعات الليبية كما فعل مع هدايا دليل أكسفورد. ولأني أعرف إصرار نجيب على نقل أكبر قدر من المعرفة إلى لغته العربية فلن توقفه هذه العراقيل؛ التي لا يعاني منها إلا في وطنه، عن مشروعه التنويري الضخم بين تأليف وترجمة.

عدد ما تُرجِم من كتب في الفلسفة، طيلة تاريخ ليبيا في الترجمة، أربعون كتابا. ترجم منها د. نجيب الحصادي 38 كتابا.