Atwasat

اقرأ

نور الدين السيد الثلثي الثلاثاء 07 ديسمبر 2021, 09:10 صباحا
نور الدين السيد الثلثي

في حديثٍ مع المسؤول في إحدى مكتبات طرابلس الشهر الماضي، سألته - وقد ظننت أنني أعرف الإجابة - عن التغيّر، بمرور الزمن، في إقبال الليبيين على القراءة. أجابني قائلاً إن حجم المبيعات لم يتغيّر كثيراً؛ ما تغيّر هو نوع القُـرّاء، فقد أصبحت غالبية مشتري الكتب من النساء. كانت إجابته، للوهلة الأولى، مفاجِئةً لي، وما كان يجب أن تكون كذلك.

لم يتجاوز عدد تلميذات المرحلة الابتدائية سنة 1951 في إقليمي طرابلس وبرقة 3,829 تلميذة، مقابل 31,246 من التلاميذ الذكور (روجيه لو تورنو، تقرير اليونسكو عن التعليم في ليبيا، 1951). هكذا كان عدد تلاميذ المرحلة الابتدائية عند الاستقلال عدداً قليلاً، ولم تتجاوز نسبة الإناث منه 11٪. سجّلت ليبيا منذ ذلك الحين تقدماً سريعاً وحاسماً نحو محو الأمية، وتوسّعا كبيراً في مختلف مراحل التعليم، وتقدماً كبيراً جداً في تعليم الإناث على وجه الخصوص. بل إن عدد الطالبات بالجامعات الليبية قد فاق، منذ سنوات، عدد الطلبة الذكور، وبلغ عدد خريجات الجامعات في العام الدراسي 2014- 2015، أكثر من 60٪ من إجمالي عدد الخريجين من الجنسيْن (15,895 خرّيجة من إجمالي عدد الخريجين الذي بلغ 26,393 خرّيجاً من الجنسيْن، الكتاب الإحصائي 2015- أرقام جامعات بنغازي وعمر المختار والجامعة السنوسية تعود للعام الدراسي 2011-2012).

تزايد عدد الطالبات في مراحل التعليم المتوسط والعالي حتى تجاوز حدود التعادل المتوقع بين أعداد الطلبة من الجنسين، بل بلغ بضعة أضعاف المعدّل العالمي الذي يتراوح بين نقطتين وثلاث نقاط مئوية فقط. يعكس هذا الفارق الكبير ليس فقط إقبالَ البنات على مواصلة التعلّم حتى مراحل التعليم العليا، ولكنه يعكس أيضاً عزوفاً لدى نسبة مهمة من الطلبة الذكور عن مواصلة تعليمهم العالي، وفي ذلك واقعٌ يلحّ على النظر في أسبابه والسبيل إلى علاجه.

إقبال المرأة النسبيّ على القراءة، كما يبدو من تردّدها على المكتبات، والنسبة الأكبر للمرأة من خريجي التعليم العالي، والعزوف الظاهر للذكور عن مواصلة تعليمهم العالي، من شأنها أن تؤدّي إلى تمايزٍ تعليميٍّ وعلميٍّ غيرِ متوافقٍ مع الدور التاريخي التقليدي للرجل، المرتبط بولايته وسلطته داخل الأسرة والمجتمع. تلك مسألةٌ بحاجة إلى النظر الجادّ في أسبابها وانعكاساتها التي قد تتطور لتكون عنصراً مزعزِعاً للعلاقات الأسرية.

ما حدث في مجال تعليم المرأة كان ثورة حقيقية شاركت فيها المرأةُ نفسها - بل كانت المرأة رائدتَها منذ ما قبل الاستقلال - وأولياءُ الأمور، ورجال التعليم، والعائدون من المهجر، والحكومات المتعاقبة منذ عهد الإدارة العسكرية الأجنبية، ومن ثَـمّ عهد الاستقلال، ومن بعدهما عهد سبتمبر. لم يكن الإنجاز الكبير وليدَ محاكاةٍ بَـلْهاء للأجنبي وتزلّفٍ إليه، أو حصيلةَ عملِ منظماتٍ تابعةٍ له وندواتٍ ينظمها هنا وهناك. ما حدث كان نتيجة عملٍ دؤوبٍ، تضافرت فيه جهود القوى الفاعلة في المجتمع، الليبيةِ الخالصة، عملٍ تَواصَل على مدى جيليْن وأكثر.

يبقى الطريق طويلاً حتى تتحقق تطلعات المجتمع في الحرية والكرامة والمساواة بين كل شرائحه وأفراده. تعليم المرأة ليس مكسباً للمرأة وحدها، بل هو مكسب للمجتمع كلّه برجاله ونسائه، وكذلك سيكون النجاح في تحقيق أسباب عيشها الكريم، كأمٍّ وزوجٍ وأختٍ وابنةٍ وشريكٍ في الوطن، في ظل قوانين تحترمها وتضمن حقوقها كإنسان. ذلك عملٌ ستواجهه، في زمن الارتداد عن أسباب النهوض الذي نعيشه، عقباتٌ أكبر مما واجَه تعليمَها.