Atwasat

الجزائر تفتح صمامات الغاز على ما تبقى من رئة العلاقات الجزائرية المغربية

علي الدلالي الأربعاء 29 سبتمبر 2021, 11:10 صباحا
علي الدلالي

دخلت العلاقات الجزائرية المغربية نفقا أشد ظُلمة من التوترات بعد التصعيد الجزائري الأخير الذي بدأ بإعلان وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، يوم 24 أغسطس الماضي، قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وتلميح وزير الطاقة الجزائري، محمد عرقاب، بعد ذلك بيومين إلى احتمال عدم تجديد بلاده لاتفاقية أنبوب الغاز مع المغرب، ما يعني استغناء الجزائر عن أنبوب الغاز المغاربي الذي يمر عبر المغرب لنقل الغاز الطبيعي الجزائري إلى إسبانيا، ثم جاء قرار الجزائر يوم 22 سبتمبر 2021 بإغلاق مجالها الجوي في وجه الطائرات المدنية والعسكرية المغربية وتلك التي تحمل رقم تسجيل مغربي.

وأثار التصعيد الجزائري المفاجئ إلى حد ما، والسلبي جدا في ملف العلاقات المتوترة منذ عقود بين البلدين المغاربيين الجارين، العديد من التساؤلات عن أسبابه الحقيقة وعن توقيته وأهدافه في أوساط المراقبين الذين استهجنوا ركون لعمامرة إلى "المدرسة القديمة"، مدرسة ما قبل ثورة المعلومات والاتصالات، لتحميل "المسؤولين في المغرب مسؤولية تردي العلاقات"، وتبريره قطع العلاقات بما أسماه قيام المغرب بدعم منظمتين وصفهما بالإرهابيتين، ضالعتين في الحرائق الأخيرة التي اندلعت في بلاده، ويعتقد هؤلاء المراقبون أن لعمامرة سوًق تبريرات واهية استخلصها من "الدخان الأسود" لحرائق الغابات، في محاولة لتضليل الرأي العام الجزائري قبل أي أحد آخر، مع إدراكه يقينا، أن الحرائق التي اجتاحت غابات الجزائر، اندلعت في المغرب وفي كثير من الدول على امتداد كوكب الأرض في الشمال والجنوب والشرق والغرب بسبب ارتفاع قياسي في درجات الحرارة هذا العام.

ولاحظ مراقبون للشأن المغاربي أن فتح صمامات "الغاز الجزائري" على ما تبقى من رئة العلاقات بين الجزائر والرباط، من خلال قطع العلاقات وغلق الأجواء والتلويح ببدائل لأنبوب نقل الغاز الجزائري إلى إسبانيا، يؤشر على ملامسة الخطوط الحمراء، منذ عودة رمطان لعمارة إلى كرسيه في وزارة الخارجية في يوليو 2021 بعد أن عينه الرئيس عبد المجيد تبون.

إن هذا السياسي الجزائري المخضرم الذي تدرج في سلك العمل الدبلوماسي والدولي، والذي عمل على عديد الملفات لفض النزاعات عبر القارة الأفريقية، وشغل منصب رئيس مفوضية مجلس السلم والأمن في الاتحاد الإفريقي، وانخرط في قضايا المرتزقة والتسلح والسلاح النووي، وطار مؤخرا إلى أديس أبابا والخرطوم والقاهرة للتوسط في حل الخلافات بين هذه الدول الثلاث المتعلقة بسد النهضة الأثيوبي على النيل الأزرق، نراه اليوم بالفعل، على عكس مسيرته السياسية والدبلوماسية، وفي الإتجاه المعاكس لمتطلبات المتغيرات الدولية وعصر الفضاءات والتكتلات العملاقة، يفتح صمامات الغاز الجزائري على ما تبقى من رئة العلاقات الجزائرية المغربية، وينخرط في توجه جزائري يهدف على ما يبدو إلى التصعيد مع المغرب، نأمل ألا يكون توطئة لجولة جديدة من "حرب الرمال".

لا شك أن الجزائريين والمغاربة أقرب إلى بعضهم بعضا من أي وساطة بينهم، ولكن الوضع المتأزم في المنطقة المغاربية تحديدا، وشمال أفريقيا عموما، إذ تعيش ليبيا حالة انقسام سياسي غير مسبوقة تغذيها المدافع، والقوات الأجنبية والمرتزقة والتدخلات الخارجية السلبية، والأطماع الشخصية، وعبث الهواة، والنعرات القبلية والمناطقية والجهوية، وتواجه تونس مأزقا سياسيا بعد إقدام الرئيس التونسي على إقالة الحكومة وحل البرلمان والسيطرة على كافة السلطات، يُحتم على الجميع ضبط النفس وتجنب التصعيد في هذا الظرف الحساس والخطير.

انعكس التوتر طويل الأمد والمتفاقم في العلاقات بين الجزائر والرباط على خطط التنمية وتحسين الخدمات ومحاربة الفقر والأمراض، وكان لهذا التوتر نتائج كارثية ملموسة في الجزائر تحديدا بسبب توسع إنفاقها العسكري الذي سجل أرقاما قياسية في الفترة من 1990 إلى 2020 على حساب التنمية.

غير أن المغرب استطاع، رغم دخوله في ما يُشبه "سباق تسلح" مع جارته الشرقية، بسبب استمرار حالة التوتر، تحقيق قفزة نوعية في مجالات التنمية والتطوير والبناء وبعث المشاريع الصغيرة والمتوسطة والعملاقة وتحديث قطاع الخدمات في ربوع المملكة، دون نفط أو غاز.

في زيارة إلى المغرب بعد انقطاع "شبه قسري" لعدة سنوات، تلقيت ذات يوم اتصالا من زميل صحفي مقيم في مصر، على اطلاع برحلتي إلى المغرب، بادر بسؤالي كيف وجدت المغرب بعد هذا الغياب الطويل؟ وصادف أن كنت في محطة قطار القنيطرة أقرأ لوحة خاصة بمشروع القطار فائق السرعة تقول : القنيطرة - طنجة 47 دقيقة. وكنا، صديقي وأنا، سافرنا قبل ربع قرن من القنيطرة إلى طنجة بالقطار في رحلة استمرت حوالي 5 ساعات. رد صديقي بعد أن أرسلت له صورة مباشرة عن لوحة المشروع: "لقد فهمت...".

نأمل أن يكون مجرد الحسد وراء التصعيد الجزائري، نظرا لإمكانية تجاوزه ببساطة، وتراجع رمطان لعمامرة على فتح صمامات الغاز الجزائري على الرئة المريضة أصلا التي يتنفس من خلالها المغاربة والجزائريون، في انتظار الترياق الشافي وعودة الروح إلى الجسد الواحد.