Atwasat

ما لا يقال.. خلو العرش..!

عبدالواحد حركات الأحد 08 أغسطس 2021, 11:04 صباحا
عبدالواحد حركات

نظام قديم لم يعد يعمل، ونظام بديل لم يكتمل بعد، هذه أزمة ليبيا باختصار شديد..!.

لا تريد الأغلبية قبول الحقائق الجديدة ببساطة، ولا تأبه كثيراً لإدراك مجريات الواقع، فقد أصبح انعدام القدرة على تمييز الواقع الحقيقي من الافتراضي أزمة بنيوية في الفكر الاجتماعي- السياسي تتعمق وتتوطن وتُعتاد وتتمركز داخل الأزمة، وهي تسهم بشكل سلبي في تشكيل وعي جمعي مؤسس على افتراضات مبنية على معلومات غير كاملة أو خاطئة أو ملوثة، وتؤثر الافتراضات على تصورات الواقع وتوقعات المستقبل وتبدل التوجهات والولاءات والمنهجيات والأهداف كذلك، وهي بالأساس افتراضات غير دقيقة اصطنعت لتحريك الأزمة وتوجيه التغيير إلى أهداف أخرى لم تكن ضمن أهدافه الأساسية وغاياته الأولية..!.

يتعين على الليبيين أن يدركوا حقيقة العالم الجديد..!.

تحقيق الاستقرار وتحديد الوجهة وسط تغيرات دراماتيكية متسارعة ومتقاطعة في ديناميات السياسية الإقليمية والعالمية ليس بالأمر السهل، ولعبة السياسة لازالت غير منضبطة وبدون قواعد بسبب عدم استقرار القوى الجيوسياسية، والعالم بأسره يتغير بشكل جذري وتطرح التغيرات تحديات وفرصا مختلفة، وتفتح آفاقاً وتسد آفاقاً أخرى وتنشر اللايقين في المستقبل بطرق كثيرة، وتقتلع كثيراً من الأيدولوجيات والمعتقدات الوطنية الضيقة التي تولد من الأسفل، وتفرض بدلاً منها أيدولوجيات جديدة واسعة تولد من الأعلى تتوافق مع الاحتياجات والمتطلبات الحقيقية للمجتمعات المعولمة قسراً، فلم يعد بإمكان أحد الانعزال والتقوقع وهذا ما ينبغي أن يدركه الليبيون، ويعملوا جميعاً على تغيير الأطر المفاهيمية غير الملائمة للتقدم والتنمية، ووأد الحقائق البالية المفخخة بالتناقضات بات ضرورة تحتمها ظروف المرحلة ومتغيرات الحياة..!.

يقف الليبيون مرة جديدة وأخرى عند مفترق..!.

لا ينظر الليبيون إلى انعكاس الواقع على مرآة مستوية تظهره بأبعاده الواقعية، بل ينظرون إما لانعكاسه على مرآة مقعرة تظهره أكبر مما يجب، وإما لانعكاسه على مرآة محدبة تظهره أصغر مما يجب، وكلاهما يختلق أوهاما لا فكاك منها، تتبعها سلسلة طويلة من متناقضات لا معنى لها، تعمل على ترحيل الأزمة وتحويرها وتسهم بشكل أساسي في خلق عرقلة لجهود الاستقرار والإصلاح والبناء والتنمية، وتشتت الرؤى وتزيد من هدر الموارد السياسية والإدارية والاقتصادية والفكرية، وتشنق الأمل على أخشاب العجز والخيبة..!.

ينسى الجميع أو يتناسون عمداً أو تنسيهم وساوس شياطين الإنس، أن إشكاليات الحقيقة، وإشكاليات السلطة، وإشكاليات سلوك الأفراد والجماعات والشعوب لا يمكن أن تفهم إلا في علاقة بعضها ببعض وليس في انفصالها، فهي متداخلة ومتراكبة ومتراكمة ومتكاملة بطريقة يصعب تحديد استقلاليتها وانفصالها عن بعضها البعض، وأن تأثيراتها متبادلة فيما بينها ومتناغمة ومتشابكة، بشكل يصعب تحديد عوامل الإشكاليات ومحفزاتها ورواسبها السامة، ويعيق احتواءها ووضع حلول ناجعة ونهائية لها..!.

أساءت السياسة تفسير المشكلات ثم أساءت ثانية في تطبيق الحلول..!.

اعتقد أن الأهم والأجدى هو فك وتحليل متسلسلة إشكاليات الحقيقة والسلطة وسلوك الأفراد، ولتحقيق ذلك يجب التوقف طوعاً عن عب السراب، والامتناع عن مطاردة غوايات السلطة والمال المجرثم والغاوين لهما، وإعادة توطين رؤى وطنية بأسلوب منهجي تستبعد منه المغالطات المفاهيمية والتناقضات ومصطنعات وأساطير التاريخ الأعور الأعرج، والتقليل من إنتاج عوامل تسريع وفيرسة "بمعنى صناعة فايروس" الأزمة، وحصر حالة اللايقين التي باتت ميزة وخاصية للنهج السياسي الحالي المتكئ على خلايا اجتماعية مشحونة بمعانٍ ومغالطات ومتناقضات ونواقص لا تقدمية ملأت الفراغ المؤسساتي الموروث وبدلت شواهد ودلالات وسبل وأهداف التغيير..!.

الحرب والشقاق ليسا حلاً، ومن الأفضل أن تشحذ الأزمة العقول وليس الحراب، وأن تضع الجميع على الطريق الصحيح..!.

تتطلب أزمة ليبيا تحليلا عميقا وفهما مراحلياً لتحديد معالمها والحقائق الجديدة التي ينبغي التكيف معها وتوطينها، بدل السقوط في الأوهام وتعاطي النكوص وتكرر واجترار ذات الإخفاقات والخيبات السابقة، وتدارك عطل النخبة ووقف الولادات القيصرية والقسرية لمحركات الرأي العام من أوساط البراغماتيين أبناء وبنات الصدف اللامنتمين، فالأزمة وإن بدت ظاهرياً أزمة سياسية – اقتصادية إلا أنها في جوهرها أزمة فكرية - اجتماعية تولدت نتيجة التغيرات في الوعي والقيمة والمفهوم والأطر، واصطدمت بالبنى الاجتماعية وأنيميا المدنية وفراغ النخب وبلادة وجمود البيئات السياسية والثقافية والاقتصادية...!.

ليبيا ليست في إحدى الأزمات المعتادة، فأزمتها ليست أزمة سياسية فقط، وليست أزمة اقتصادية فقط، وليست أزمة اجتماعية فقط، كما أنها ليست مجرد أزمة أمنية، أو أزمة ديموغرافية، وليست مجرد أزمة سيولة ووقود وطاقة ومياه ونفايات وفساد، بل هي أزمة تحول وتغيير تحتاج إلى التعامل بإيجابية، ووعي تطلعي وإدراك بأن هنالك قديما يموت، وجديدا يكافح من أجل أن يولد..!.

والتسليم بأن الأزمة مرحلة انتقال تحتاج من يبنون الجسور وليس من يقيمون الحواجز...!.