Atwasat

(بن جميعة في أمان الله)

عبدالله الغرياني الأحد 01 أغسطس 2021, 11:33 صباحا
عبدالله الغرياني

الناشط الليبي/ توفيق علي بن جميعة
من مواليد مدينة بنغازي 13 أكتوبر 1953م.

من الشخصيات المدنية والاجتماعية البارزة بمدينة بنغازي ناشط في مجال العمل الخيري وصنف من قبل جميعة الهلال الأحمر الليبي كأكبر المتبرعين بالدم في ليبيا حيث بلغ عدد مرات تبرعه للمرضي 132 مرة.

واهتم كذلك بفئة ذوي الاحتياجات الخاصة وساهم في تقديم الدعم المعنوي والمادي لهم من خلال جهوده التطوعية، وحاول قبل اندلاع الثورة في عام 2011 م. تأسيس جمعية أهلية تعنى بالتبرع بالنخاع الشوكي ولكنه انصدم بعرقلة إجراءات اعتماد الجمعية، وفي عام 2010 مع بدايات انطلاق مشروع ما يعرف بليبيا الغد أعلن بن جميعة إضرابا مفتوحا عن الطعام احتجاجاً على الأوضاع المعيشية السيئة التي يعاني منها المواطنون وبعد رؤيته لسيدة ليبية في مدينة بنغازي تقوم بجمع فضلات القمامة للأكل منها، منتقداً من خلال الإضراب الادعاءات الإصلاحية الزائفة التي أعلن عنها في مشروع ليبيا الغد وأن من غير المعقول أن يطلق هذا المشروع إصلاحات والمواطنون يعانون الجوع بسبب الفقر وهم يعيشون فوق بحيرة من البترول التي يستفيد منها المسؤولون فقط ووجد في اإعلانه عن الإضراب وسيلة للاحتجاج على حالة الفقر والجوع التي تعيشها الألاف من العائلات الليبية.

بعد اندلاع أحداث الثورة جدد الناشط الراحل توفيق بن جميعة نشاطه الخيري واهتم بالعمل الخيري والسياسي حيث ساهم في تنظيم ودعم مخيمات النازحين داخل وخارج ليبيا، كذلك تقديم جميع سبل الدعم اللوجستي لإنجاح الثورة الليبية التي كان من أبرز الداعمين لها حتى وفاته.

وبعد الانحراف السياسي والوطني الذي تعرضت له مسيرة ثورة فبراير في بدايتها تفاعل الراحل بن جميعة مع التيار المدني داخل مدينة بنغازي خاصةً وليبيا عامةً مدافعاً عن الثورة وأهدافها رافضاً للمليشيات المسلحة التي تتخذ من السلاح أداة لقمع المواطنين بدعم من تيار الإسلام السياسي.

مبكراً وفي أواخر عام 2013م. بدأت رحلة علاج الراحل توفيق بن جميعة مع مرض السرطان وغادر في عام 2014م. من ليبيا لجمهورية ألمانيا الاتحادية بالعاصمة برلين ومانهايم ونجح، بفضل الله، في التغلب على المرض في الجولة الأولى بمنطقة البروستاتا بعد خضوعه للعلاج الكيماوي المرير واستمر بعدها في الخضوع للعلاج التأهيلي والمراجعة المكثفة لثلاثة أعوام متواصلة حتى عودته لمعشوقته بنغازي في صيف عام 2018م. ليستأنف الرحلة من جديد في العاصمة برلين حيث كان يستقر في إقامة شبه دائمة رفقة ابنه الناشط محمد توفيق بن جميعة وعاد المرض من جديد ليعلن الراحل معركة أخرى انتهت بتغلب المرض عليه ووفاته يوم الأربعاء 28 يوليو 2021. م، بمستشفى الشارتيه بالعاصمة الألمانية برلين.

الراحل توفيق بن جميعة وفي رحلة تحدٍ للمرض كان قبلة لكل أبناء ليبيا المحتاجين للمساعدة والعون وبيته مفتوح للجميع ويقوم هو شخصياً باإعداد الطعام والأكل لكل ضيوفه ويقدم لهم المشورة في اأي مسائل لم يجدوا لها حلولا، كذلك فهو منارة تنويرية تنير العقول وتذهب بالمستمعين والمتحاورين معه نحو الحداثة والعقلانية، التي ترفضها الأفكار المتطرفة وتحارب كل الذين يتبنونها بالقمع والقتل داخل ليبيا، خصوصاً اإبان سيطرة التنظيمات الإرهابية على مدينته بنغازي حيث وقف شجاعاً ضدها وحمل مسؤولية تغول هذا التطرف والإرهاب المسلح للإسلام السياسي الذي اعتبره الراحل الغطاء السياسي له، حتى وجد في عدد من شباب الوطن الذين يعيشون بالولايات الألمانية الحماس وانطلق بينهم بميادين وساحات العاصمة برلين في وقفات داعمة للاستقرار وبناء ليبيا الدولة الحديثة والعصرية بمؤسساتها القوية على رأسها الجيش والشرطة ووجه خطابات للبوندستاغ الألماني (البرلمان) وللهيئات الدبلوماسية والمنظمات الحقوقية موضحاً فيها حقيقة الحدث والأزمة في ليبيا وشرعية دفاع الجيش الليبي عن وحدة ليبيا وسلامة أراضيها للقضاء على الجماعات الإرهابية وإعادة الاستقرار لليبيا وحماية شعبها مشيراً بتحريرها قوات الجيش الليبي لمدن بنغازي ودرنة من هذه الجماعات.

عرفت الراحل بن جميعة في فترة العمل المدني بعد انتهاء الثورة بمدينة بنغازي وعرفته حينها أنه مرشح لانتخابات المؤتمر الوطني العام ومن الشخصيات القيادية بالتيار المدني المناضل بمدينة بنغازي صاحب مواقف واضحة وشجاعة ضد التطرف والإرهاب الذي انتشر في المدينة مع ظهور جماعة أنصار الشريعة وكان رافضاً للوصاية الدينية على المواطنين من قبل هذه الجماعة وغيرها من الجماعات الأخرى التي مارست الإرهاب المسلح على المواطنين وعلي التيار المدني بالمدينة التيار الذي كان يتجه نحو تصحيح مسار الثورة ولتثبيت بوصلة ثورة فبراير نحو ليبيا دولة نموذجية وحديثة، وعند إصابتي بمدينة بنغازي في فبراير عام 2014م، جراء محاولة اغتيال ازداد جسر التواصل بيننا واتصل بي من ألمانيا أثناء تواجدي بالعاصمة الأردنية عمان ليطمئن على وضعي الصحي ويؤكد على دعمه لي، حتى وصولي للعاصمة الألمانية- برلين في مايو 2017م، بعد رحلة علاج بباريس استقبلني الراحل بشقته لأسابيع حتى استقراري بألمانيا وأصبح منزله بيتي الثاني وأتردد عليه في الشهر عديد المرات وكنت أجد دائماً الضيوف بمنزله من مختلف المدن الليبية متواجدين معه في شقته وكان دائماً الحوار وطنياً بامتياز يدور حول الوطن الكبير ليبيا والصغير بنغازي..

حوار عقلاني متجرد وشجاع وناقد للأوضاع السياسية والمجتمعية ويضع دائماً الحلول لها، حتى وضع الراحل لبنة لتجمع شبابي جمع ابناء الجالية الليبية الداعمة للاستقرار في ليبيا وللجيش الليبي، لقناعة الفقيد أن الحل في ليبيا أولاً بتجميع السلاح وحل المليشيات ومن ثم بناء مؤسسات دولة قوية وإنهاء الفساد والفصل بين السلطات السياسية والدينية، رحل العم توفيق وغادر الدنيا بسلامة ومنشغلاً على بلاده ليبيا ومدينته بنغازي حتى في آخر لقاء لي معه بمستشفى الشارتيه يوم الأحد 25 يوليو 2021م، حاولت الحديث والاسترسال معه وكان قليل الكلام ولا رغبة له في الأكل، فقط يطلب شراب الماء والاستماع وابتعدت عن إجهاده في الحديث وسألته عن حالته الصحية، وحاولت تطمينه وبث الأمل بداخله ليصمد أكثر ولكن المرض هو الذي كان يسيطر عليه.

وخلال الحديث نطق وقال (عشر سنوات يا عبد الله مادرنا فيهن شي ما زال مش معقولة) رديت عليه سريعاً (قتله عشر سنوات يا عم توفيق هن إرث لما سبقهم من سنوات) رد (كان بمقدور السياسيين المعالجة ولكن الفشل كان شعارهم) واستمر الحديث في ذات السياق حتى تغير مجراه بعد أن تحدث الذي كان يرافقني حديثا معنويا انتهى بتوديع الراحل والسلام عليه وعندما خرجنا من الغرفة سمعنا صوته وكأنه ينادي عدنا إليه فقال (قلت في أمان الله) كررها (في أمان الله) وقلنا له (في أمان الله مع السلامة) حتى أبلغني ابنه الرفيق محمد بن جميعة بخبر الوفاة في صباح يوم الأربعاء الموافق 28 يوليو 2021. م، وتوافد فور وفاته للمستشفى أعداد من أبناء الجالية ببرلين وفي مكان تجهيز الجثمان حتى مغادرته ظهر يوم الثلاثاء والآخرون أصبحوا يتوافدون بشقته لتقديم واجب العزاء لنا ولابنه الرفيق محمد توفيق بن جميعة، كذلك يتوافد العشرات على المأتم بمنزل أسرته بمدينة بنغازي لتقديم العزاء والمواساة.

عمي توفيق يا العزيز على القلب والروح يا صاحب اليد البيضاء والقلب الكبير رحلت عن الدنيا ولن ترحل عن قلوبنا وحتماً ستبقى خالداً في ذاكرة بنغازي وليبيا مناضلاً ووطنياً مخلصاً ووفياً، ولن تتوقف المسيرة حتي نلقاك ذات يوم في دار الخلد وستكون ليبيا دولة عصرية وحديثة وسوف يسود بين ابنائها المنطقية والعقلانية والحداثة وسنبقي يا والدنا رافضين لحكم الدكتاتورية وحكم العمامة..

إلى لقاء وليس وداعاً
في أمان الله يا بن جميعة.