Atwasat

قطار سلامه وقطار سلامنا

جمعة بوكليب الخميس 27 أغسطس 2020, 01:12 صباحا
جمعة بوكليب

الأخبار التي وصلتنا، مؤخراً، وفاجأتنا، تقول إن قطار سلامنا المرتجى، بدأ مرحلة الإعداد والتجهيز، وراء كواليس عديدة، في داخل ليبيا وعدة عواصم عربية وأوروبية. وإذا صدقتْ تلك الأخبارُ، التي وصلتنا عبر وسائل الإعلام، مع بداية العام الهجري الجديد، ونأمل أن تكون كذلك، وبنيّة وعزم للخروج من النفق الذي وُرطنا فيه لسنوات طويلة، فأولى بنا أن نتهيأ فعلياً ونفسياً للتعامل مع ما ستلقيه الأيام القادمة في طريقنا من مفاجآت نأمل أن تكون سارّة. وبالتأكيد، سيكون من المهم إبداء حرصنا على التواجد، لكي لا تفوتنا مراسم حفل انطلاق رحلة قطار سلامنا المأمول. ما يهمّ حقاً، هو الصعوبات والمطبات التي ستوضع على طول طريق الرحلة. لكنّها، في آخر الأمر، إن توفر حسن النوايا من الجميع، وحضر العزم، (وهذا ما نشك فيه) فإنها لن تقف حاجزاً بين قطارنا المأمول والوصول إلى غايته المرجوة. كما نتمنى ألاّ يخذلنا حسن الحظ، هذه المرّة، كما فعل بنا في السابق، ويكون مصير قطارنا الموعود وسلامنا المأمول كمصير ذلك القطار، الذي تم تجهيزه، بتصميم وبإشراف المبعوث الخاص السابق للامين العام للامم المتحدة السيد غسان سلامه، وكان من المقرر له التحرك قاصداً واحة غدامس يوم 16 أبريل 2019.

وإذا كان قطع مسافة ألف ميل يبدأ بخطوة، فإن الخطوة الأولى، التي قُررت، في رحلة السلام المتوقعة كانت صحيحة، والمهم أنها جاءت في توقيت مناسب، بعد مشقة أكثر من عام طويل من الاحتراب والدمار والقتل. وها نحن الآن، رغم أننا لم ننته بعد من لعق نزيف جروحنا، التي خلفتها تلك الحرب الفاجرة، نفاجأ بصدور بيانين، في وقت واحد، صادرين عن كيانين شرعيين، وهما المجلس الرئاسي ومجلس النواب، يؤكدان على نهاية الحرب، ويدعوان إلى البدء في مفاوضات بغاية عقد اتفاق سلام وانتخابات جديدة. وبقدر ما نبارك هذه الخطوة الشجاعة، فإننا من خلال ما اكتسبناه من تجارب، وما أصابنا من خيبات، طيلة عقد من الزمن تقريباً، سنكون، هذه المرّة، متابعين للاحداث بقلوب وعيون حذرة، وقايةً وحمايةً لأنفسنا من الإصابة بسهام الإحباط، في حالة تبيّن، لا سمح الله، غياب حسن النوايا وراء البيانين، أو أن الهدف من وراء إصدارهما كان بغاية مخالفة للقصد المعلن، وليس لهما من هدف سوى المناورة السياسية للتخلص من خصوم مثلاً، أو غيرها من الأمور ذات الصلة بالصراع المحتدم على السلطة بين مختلف الشخصيات والكيانات.

ويقيناً، أن تجارب التاريخ، في الحروب الأهلية على اختلافها، تؤكد أن الطرق المؤدية إلى وقف نزيف الدماء بين الأخوة المتحاربين، واللجوء إلى التفاوض بغرض التصالح والوفاق عملية معقدة، ولا تسير، دائماً، في خط مستقيم، بل في خط بياني منكسر، صعودا وهبوطاً، ويتوقف نجاحها والوصول إلى غايتها على مدى جدّية الأطراف في التفاوض، وحرصها على التصالح، واستعدادها لتقديم تنازلات، بغرض الالتقاء بخصومهم، وليس أعدائهم، في منتصف المسافة، ومن دون شروط مسبقة، سوى الرغبة في تجنيب البلاد والعباد المزيد مما عانت من دمار وقتل.

وإذا كان إصدار البيانين، في وقت واحد، خطوة شجاعة وفي الاتجاه الصحيح، فإن الأهم منه تحويل النيّات والكلام إلى أفعال على أرض الواقع. لأن الاكتفاء فقط بالتعبير عن حسن النوايا ليس كافياً للخروج بالبلاد مما تعانيه من أزمات. ويحق لنا كمواطنين ليبيين، عانوا الأمرّين طيلة عقد من الزمن تقريباً، أن نطالب ولاة الأمور فينا بسرعة التحرك، وطرق الحديد وهو ساخن، لأن المماطلة والتأخير في تحقيق الوعود سوف يعمل على تعقيد الأمور السياسية والحياتية أكثر.

التجارب علمتنا أن الحديث عن السلام شيء، والعمل فعلياً من أجل السلام وتحقيقه شيء آخر. وأن وجود قطارات مجهزة ومتوقفة في محطة في انتظار إشارة التحرك، لايعني أنها قادرة على القيام بوظيفتها مالم تتوفر كل الشروط الواجبة، والضرورية، لسلامة القطار ولسلامة ركابه لدى قيامه برحلته المقررة. وأن تنميق البيانات السياسية بلاغياً، قد يثير الانتباه قليلاً، لكن فوائده لا تتجاوز ما تتركه فقاعات صابون في الهواء من أثر. ومن يتولون أمورنا يعرفون ذلك وأكثر. وبالتالي، عليهم الاستفادة من الفرص التي تضعها الظروف أمامهم، واستغلال كل العوامل والوسائل التي تساعد على إنقاذ البلاد والعباد من هلاك محقق، وأن استدعى ذلك منهم تضحية بتقديم تنازلات. وقد يكون من المقبول في هذه الحالة، وفي هذة الظروف، العمل بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة، شرط أن تكون الغاية المعلنة سلامة ليبيا واحدة موحدة، وسلامة شعبها، وضمان مستقبل أجيالها القادمة بالعيش في وطن حر وديمقراطي ويسوده حكم القانون.


وإلى أن يتحقق ذلك، ونأمل أن يكون قريباً، نقترح على المسؤولين محاولة إيجاد حلول لمشاكل تراكم القمامة، التي أحالت مدننا إلى مكبّات، ومصادر للعفونة والقذارة ومختلف الأمراض، استعداداً للاحتفال باستقبال قطار سلامنا الموعود!!