Atwasat

الثورةُ التي وُلِدت مضادةً

عمر أبو القاسم الككلي السبت 16 أغسطس 2014, 11:26 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

يتحدث مطلقو حملة «فجر ليبيا» أو «قسورة» وأنصارهم عن أنهم يستهدفون من عمليتهم هذه، وما أنجرَّ عنها من تدمير منشآت حيوية وأحياء وتهجير آلاف الأسر وقتل وجرح وتعطيل للعمل والسياق المعتاد للحياة وإهدار الاقتصاد، القضاء على «الثورة المضادة» وإنقاذ أهداف «ثورة 17 فبراير».

والحقيقة التي انجلت الآن هي أنه: لم تكن هناك ثورة اسمها «ثورة 17 فبراير»، إذا كان المقصود بالثورة تلك الحركة الشعبية العارمة، مسلحة أو سلمية، ذات القيادة الموحدة على مستوى الوطن وذات الشعارات والأهداف المعلنة الموحدة التي تسعى إلى إزالة الظلم وتحقيق العدالة وحفظ الحقوق ونشر الأمن، وهو ما أصبحنا نسميه دولة المواطنة، أو الدولة الديموقراطية.

محاصرة الوزارات وخطف رئيس للوزراء هو من أعمال الثورة المضادة

بل يمكن القول الآن إن ما حدث في فبراير كان «ثورة مضادة» أو تغلب عليه «الثورة المضادة» منذ البداية. ثورة شاركت فيها أطراف مختلفة الرابط الوحيد بينها هو التخلص من استبداد معمر القذافي، وليس التخلص من الاستبداد بالمطلق، أو بالتعريف، فبعض الأطراف التي شاركت في أحداث 2011(كي لا أقول تسللت إلى الأحداث أو ركبتها) كانت تنزع إلى السيطرة على مقدرات الوطن وإقامة نظام استبدادي، ربما أشد وأنكى من استبداد نظام معمر القذافي.

لعل أول بادرة من بوادر الثورة المضادة ما حدث على الجبهة الشرقية في الأسابيع الأولى من عدم تقيد الجماعات المسلحة غير التابعة إلى الجيش بالأوامر العسكرية الخاصة بسير العمليات القتالية، لكن أول حدث بارز من أحداث الثورة المضادة هو ذلك الذي جرى يوم 28 يوليو 2011 والمتمثل في اغتيال عبدالفتاح يونس رئيس الأركان، بعد ذلك أخذت تجليات الثورة المضادة تترى، فتهجير سكان مدن وبلدات بأكملها، من مثل تاورغاء والقواليش، هو مظهر من مظاهر الثورة المضادة، وتشبث الجماعات المسلحة، الجهوية منها والمؤدلجة، بسلاحها بعد إعلان التحرير بتعلة أنها لن تسلمه إلا بضمانات(غير معروفة ماهياتها)، وتغول المدن «المنتصرة» على المدن «المهزومة» ورفض مساعي المصالحة الوطنية، هو الآخر عمل من أعمال قوى الثورة المضادة. خروج المفتي عن وظيفته الدينية الأصلية وتحوله إلى ناشط سياسي وأمير من أمراء الحرب، واغتيال ضباط الجيش والمسؤولين الأمنيين لعرقلة بناء مؤسسة عسكرية تقليدية ومؤسسة أمنية واغتيال الإعلاميين والناشطين الحقوقيين وخطباء المساجد، أيضًا من أعمال قوى الثورة المضادة، اقتحام مقر المؤتمر الوطني العام ثم وضع النعوش أمامه لإجباره على إقرار جريمة «قانون العزل السياسي» أعمال من أعمال قوى الثورة المضادة.

تهجير سكان مدن وبلدات بأكملها مثل تاورغاء والقواليش هو من مظاهر الثورة المضادة

محاصرة الوزارات وخطف رئيس للوزراء واقتحام بيت رئيس المؤتمر الوطني العام والتشنيع به، هو عمل من أعمال قوى الثورة المضادة.

ناهيك عن السجون السرية والمعلنة والاختطاف والاستيلاء على أملاك الدولة وأملاك الأشخاص الفارين المحسوبين على العهد السابق أو الذين فروا بسبب الشكوك والتخوفات فقط، كلها من أعمال قوى الثورة المضادة. ومن أعمال الثورة المضادة الإصرار على إشراك «الثوار» في الحكم (بصفتهم هذه) وكأنهم جماعة عرقية أو دينية تطالب بحقوق مشروعة. إن مطالبة «الثوار» بإشراكهم في الحكم، بهذه الصفة، هو مطلب سياسي لجماعة سياسية، والسعي إلى فرضه هو مسعى استبدادي فاشي يتنافى مع مبادئ الديموقراطية. ففي هذه الحالة ليس ثمة فرق بين «الثوار» و«اللجان الثورية» تنظيم معمر القذافي السياسي. طبعًا من حق «الثوار» كمواطنين خوض غمار العملية الانتخابية والقبول بما تقرره الصناديق الانتخابية. أما المطالبة بمعاملة خاصة فيخرجهم من خانة «الثوار» ويدخلهم في خانة أخرى أشبه ما تكون بخانة «اللجان الثورية» و«رفاق القائد».

والخلاصة، لقد كانت الثورة الليبية حابلة بالثورة المضادة وسرعان ما وضعت حملها ويفع مولودها وشب بسرعة غير معهودة، ويبدو لي أننا نشهد في القتال المسعور الآن محاولة هذا المسخ السيطرة الكاملة على مقدرات البلاد والعباد.