Atwasat

لقطات كورونية (6)

جمعة بوكليب الخميس 30 أبريل 2020, 01:38 صباحا
جمعة بوكليب

ما الفرق بين العزلة والغربة؟

العزلة غربة من نوع آخر، والعكس صحيح. وأن تقع بين مخالب العزلة فتلك مصيبة لكن وقوعك بين مخالب العزلة وأنياب الغربة فالمصيبة أعظم.

العزلة في البيوت التي فرضها وباء فيروس كورونا تجعل الأيام تبدو كجملة طويلة من دون أدوات ترقيم. وهي عزلة متميزة رغم متاعبها النفسية، لأنها ملجأ آمن من شرور حرب يدور رحاها منذ بداية العام. الحرب ذاتها وضعت أمام أعيننا حقائق كثيرة، لم يكن بمستطاعنا رؤيتها.

أولها وأهمها أنها حرب عالمية، تختلف عما سبقها من حربين عالميتين. البشر في هذه الحرب، في قارات العالم الخمس، لايحاربون بعضهم بعضاً، بل يقفون متراصين على جبهة واحدة وموجهين أسلحتهم باتجاه عدو مشترك.

وثانيتهما حقيقة معروفة جداً، لكن المعروف، بطبيعته، قابل للنسيان، وتتعلق بالصلة التي تربط الإعلام بالكوارث. فوسائل الإعلام بحكم طبيعتها، خاصة في العالم الرأسمالي تزدهر على مصائب البشر.. إذ كيف يمكن لهم بيع منتوجات مغلفة بالعادي اليومي الممل؟ وبالتالي، فإن تفشي وباء كورونا بمثابة هدية ثمينة للإعلام ولمؤسساته.

وثالث تلك الحقائق تُوضح أن العلماء، بشرٌ من لحم ودم، ومصالح وطموحات وأحلام وأوهام، وأنهم ، لسوء حظنا، كما أبانت الجائحة، لايختلفون كثيراً عن السياسيين، كما كنّا نظن. فالسياسيون معروفون لنا بكذبهم، ورعونتهم، ونفاقهم واختلاساتهم وفسادهم، وقد تعودنا عليهم حتى صارت الحياة لا تطاق من دون ألاعيبهم. لكن العلماء أمر مختلف، وربما أن قلة معرفتنا بهم تعود إلى طبيعة عملهم التي تجعلهم في منأى عن أنظارنا وأسماعنا. فالعالم الذي يقضي أوقاته في المختبرات هو كالناسك في محرابه، شخص مكرّس حياته للعلم. لكن أزمة وباء فيروس كورونا جاءت لترفع الستار عما كان معظمنا لا يراه من أمور محجوبة.

فنحن، من خلال المتابعة الإعلامية، أولاً بأول، لتطورات الأزمة، فؤجئنا بأن لكل عالم رأياً مختلفاً حول طبيعة الفيروس، وطريقة أكثر اختلافاً لمقاومته. ونظرة سريعة إلى مجموع ما أطلعنا عليه من آراء، وما سمعنا عنه من طرق مقاومة، يؤكد على أن العلماء المختصين في علم مقاومة الفيروسات، بشر مثلنا ليسوا بمنأى عن الإصابة بأمراضنا النفسية الكثيرة، ولهم طموحاتهم ، ومصالحهم المتعددة، وحبهم وشغفهم بأضواء الشهرة، وربما ارتباطات مشبوهة بشركات تصنيع الأدوية الكبيرة. وأنهم، للأسف، في سبيل تحقيق ذلك، مستعدون، كالسياسيين، لتسفيه آراء بعضهم علنياً، تحت ذريعة العلم، وباسمه، من دون الالتفات إلى ما يسببه ذلك للبشر العاديين من خوف وارتباك، وما يحدثة من صدوع في جدران مصداقيتهم!!

وأن يختلف العلماء فهذا شأنهم، لكن اختلافهم عرضة للاستغلال من قبل السياسيين، لقدرته على توفير غطاء لهم للهروب من مسؤولياتهم السياسية على اتخاذ القرار، في أوقات الأزمات الصحية. فالسياسيون البريطانيون، على سبيل المثال، منذ بدء الأزمة وهم يعلقون قراراتهم على آراء العلماء. ويصرون على حضورهم معهم للمؤتمرات الصحفية اليومية، بغرض استخدامهم كمشاجب لتعليق عجزهم وخوفهم من اتخاذ قرارات يتوقف عليها مصائر ملايين من البشر.

2
هل سمتعم بالولد الذي أسماه والداه، عند الولادة، كورونا؟

ولادته، لم تحدث خلال الأسابيع التي عرف فيها العالم فيروس كورونا، ووقع في حبائله، وذاق شروره، بل حدثت منذ قرابة عقد من الزمن.

الولد استرالي الجنسية، وعمره، الآن، عشرسنوات تقريباً، وسمعته بأذنيَّ، يتحدث في مقابلة أجرتها معه إذاعة بي بي سي العالمية، وبثتتها صباح الجمعة الماضي.

الولد كورونا، الاسترالي من منطقة كوينز لاند، طفا اسمه على السطح، وأشرقت شمس شهرته، وتمددت في العالم، حين بعث برسالة إلى الممثل السينمائي الأمريكي توم هانكس لدى وجوده باستراليا مع زوجته لتصوير شريط سينمائي يدور حول حياة ملك موسيقى الروك أند رول الأمريكي الفيس بريسلي. ولسوء حظ السيد هانكس وزوجته أنهما وقعا ضحية للفيروس كورونا، مما استلزم عزل نفسيمها، لمدة أسبوعين. الولد الاسترالي، كورونا بعث إلى الممثل الأمريكي توم هانكس برسالة يتمنى له ولزوجه فيها الشفاء السريع، ويعتذر له فيها عن إصابته بفيروس يشترك معه في حمل نفس الاسم. وكما هو متوقع، في هذه الأمور، التي تخضع لخبراء العلاقات العامة في هوليوود، قام السيد هانكس بالرد على الولد الاسترالي برسالة شكر وامتنان، ومعتزا برسالته، وعارضا صداقته وفخره بأن يكون له صديق اسمه كورونا.

نجاح الولد الاسترالي كورونا في مد جسور الود والصداقة مع ممثل عالمي جاء بمثابة تعويض نفسي وفي وقت كان يعاني فيه من قسوة معاملة أنداده من الأولاد له الذين لم يتوقفوا عن تعييره بالاسم، وبالتالي تحويل حياته إلى جحيم، منذ بداية تفشي الفيروس.

صرنا نعرف الآن، أن كورونا أنواع عديدة، وأن "كورونا عن كورونا تفرق"، وكلهم يشتركون في سرعة الانتشار والشهرة. ولوكنتُ مكان الولد الاسترالي كورونا لما تضايقت من الاسم الذي أحمله، لأن هناك أناساً، في مناطق عديدة من العالم، يحملون أسماء يستحي المرء، حتى من التفوه بها خشية أن يُتهم، ظلماً، بالبذاءة، ويُنعت، قصداً، بقلة الأدب.