Atwasat

زوال الرأسمالية؟

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 09 فبراير 2020, 12:16 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

حتى وإن كنا نعارض الرأسمالية، بل ونعاديها، فإنه لا مفر من الاعتراف، إذا كنا من دعاة التزام الموضوعية، أن النظام الرأسمالي يُعد، على أكثر من ثلاثة قرون، أنجح الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية التي مرت بالبشرية على مر التاريخ. يصدق هذا القول على الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية التي سبقته، كما على تلك التي زامنته لما يقرب من قرن، أعني النظام الاشتراكي.

فلقد أثبت هذا النظام ، حتى الآن، مرونة وقدرة فائقتين على التكيف مع أزماته وإعادة إنتاج نفسه. بل، أكثر من ذلك، أثبت قدرة، ليس على إعادة إنتاج نفسه مثلما تعيد الحية إنتاج جلدها، وإنما على تطوير نفسه وتحسين آدائه أيضا.

ويبدو أن قدرة تجاوز الأزمات هذه ناشئة عن طبيعة النظام الرأسمالي بحد ذاتها. فالأزمات الدورية من تكوين النظام الرأسمالي وبنيته. ولقد تفطن ماركس إلى أن الأزمات تتعاقب على النظام الرأسمالي حوالي كل عشر سنوات.

أول أزمة جرت سنة 1825. ثم توالت الأزمات سنوات 1836، 1847، 1857، 1866... وفي القرن العشرين كانت أزمة 1900، تلتها أزمات 1907، 1914، 1921، 1929...

ويقرر تروتسكي أن الرأسمالية:
تعيش ... فعلًا بالأزمات والطفرات، بالضبط مثلما يعيش الإنسان بالشهيق والزفير. أولًا هنالك طفرة في الصناعة، ومن ثمّ توقف، وبعدها أزمة، يتبعها توقف في الأزمة، ومن ثمة تحسن، وطفرة أخرى، وتوقف آخر، وهلم جرًّا… حقيقة أن الرأسمالية ما تزال تتقلب دوريًّا… تشير إلى أن الرأسمالية لم تَمُتْ بعد ليس إلا، وأننا لا نتعامل مع جثة... ستستمر [الرأسمالية] في العيش في دورات، متأرجحة إلى الأعلى والأسفل. كانت الأزمات والطفرات متأصلة في الرأسمالية منذ ولادتها عينها، وستظل تصاحبها إلى قبرها.

نجاح النظام الرأسمالي في تجاوز أزماته وتطوير نفسه [يتوجب ألا ننسى أن هذا يحدث، في جزئه الأكبر على الأقل، بسبب النضال الديمقراطي والديمقراطية المتحققة]، لا ينبغي أن يفهم منه أن الرأسمالية حققت، بذلك، أبديتها، مثلما أعلن القائلون بنهاية التاريخ البشري. فما دامت البشرية قد مرت في مسيرتها بعدة أنماط إنتاج [= أنظمة اقتصادية، وتبعا لذلك سياسية] متعاقبة، فليس ثمة ما يبرر نظريا أن الرأسمالية لن تحول ولن تزول. كل ما يمكن قوله أن القول أو التنبؤ بقرب زوال الرأسمالية هو نوع من التفكير من خلال الحلم والرغبة، وليس من خلال الواقع الصلب ومعطياته.