Atwasat

إنهم يحتفلون.. يا معين

محمد عقيلة العمامي الأحد 24 فبراير 2019, 01:07 مساء
محمد عقيلة العمامي

(جاك كوفر) مصور حيوانات برية أخبرنا عن تجربة أجريت على قط أليف جدا، حُبس في قفص صغير للغاية. القط بعد ما طال حبسه لم يعد يطيق الناس بسبب دوام مراقبتهم. قلقه منهم وعجزه عن التقهقر، وضيق حبسه جعلت منه حيوانا عصبيا وشريرا. 

ومن بعد تجارب وأبحاث على الفئران يؤكد العالم (جوت بول سكوت) في كتابه (سلوك الحيوان): "أن الألم عنصر أساسي في اندلاع المعارك بين الحيوانات.." فما أن يقرص فأر ذكرا في ذيلة حتى يستدير وينهش أقرب فأر إليه. ثم وضع فأرين من الذكور في قفص ضيق وما أن يقرص أحدهما حتى ينقلب نحو الآخر ويتقاتلا، وعندما يؤخذ المنتصر منهما ويوضع مع مجموعة من فئران أضعف منه لا يتهيأ حتى بإخافتهم بنفش شعره وهز ذيله بل يهاجم ويقاتل بمجرد وضعه في القفص. 

التجربتان أثبتتا أنه عندما يستفز الحيوان تندفع الدماء في عروقه، ويرتفع الأدرنالين من غدده، ويعود الجسم إلى طبيعته من بعد عمل عنيف - قتال أو هروب - أما إن لم يتحقق ذلك فتصاب الحيوانات بأمراض القلب، والمعدة والربو. 

ومنذ الحرب العالمية الثانية عكف علماء النفس والحيوانات يبحثون في أسباب الاقتتال، وكان أول ما اكتشفوه أنه يفيد في البناء وإقرار النظام، فالعالم النفساني (س. كاربنتر) شحن، من الهند، مئات من القرود الصغيرة إلى سانتياجو بالقرب من سواحل بورتوريكو. وبعدما أصبحت القرود حرة بدأ القتال بينها حتى برز منها زعيم، فانضوت البقية تحت زعامته واهتمت الإناث بصغارها وتأسست علائق ودية بينها وأخذت القرود الصغيرة تعتني بمن هم أكبر منها. وراقب عالم آخر بقرتين تتناطحان، فيما ظل الفلاح يراقبهما ولم يتدخل حتى جفلت إحداهما، ولما سأله العالم لِمَ لمْ يتدخل، أجابه أن اقتتال الأبقار يفضى إلى انتظام وسلام بينهم فما إن يتقرر الفائز حتى تصبح الزعيمة، عندها أحصل على دلو من الحليب من كل منهما!

العلماء لم يدرسوا سلوك الحيوانات ومعرفة أسباب تصارعها واقتتالها لمجرد المتعة، أو اللهو و " قيادة الأحوال"، ولكنهم اهتموا بدراسة سلوكها، من بعد الحرب العالمية الأولى، ثم توسع بعد الثانية. قاموا بهذه الدراسات لمعرفة لِمَ تتقاتل الحيوانات الناطقة، التي يفترض أنها عاقلة. الدراسات قادتهم إلى معرفة أسباب مختلفة: منها دفاعاً عن نفسها ضد حيوانات مفترسة، أو تنافساً على غذاء أو مصدر ماء، أو لإثبات القوة وفرض الحق في قيادة القطيع أو مزاوجة الإناث.

الصراع والاقتتال سلوك حيواني طبيعي، ويتميز بانقضاض يشنّه حيوان على آخر. وهو شائع في معظم أنواع الحيوانات. الأسماك، تتشابك بفكيها، والطيور تتناقر، والجرذان تعض، والحمير ترفس، والغزلان والثيران، وكذلك التيوس تتناطح، إنها تتقاتل بحكم جيناتها الوراثية.

ذكور الوعول البرية تشتبك بقرونها، من أجل الجماع أثناء مواسم الإخصاب، وينسحب الخاسر بهدوء، آملاً أن (يتمرن) جيدا من أجل أن ينال نصيبه خلال موسم التزاوج في السنة التالية. والعجيب أنها لا تستعمل قرونها للطعن أو للجرح.
معظم الاعتداءات لا تسفر عن أذى جسدي كبير؛ الأفاعي السامة تتصارع من دون أن تستخدم أنيابها، والقرود تكتفي بهز أغصان الأشجار والصراخ والتوعد بأيديها. وتقوم بعض الزواحف باستعراض تهديدي، بأن تنفخ تكوينا يشبه الأوداج موجودة في عنقها.

والاقتتال قد يفضى بالمهزوم، أو المنتصر إلى أن يصبح فريسة لحيوان مفترس أقوى منه؛ لذلك فإن معظم الحيوانات المتصارعة توضح قبولها بالهزيمة وإنهاء القتال بأسلوب معين. فالسحلية تربض، والسمكة تضم زعانفها أو تتخذ وضعية عمودية، والكلب يكشف بطنه غير المحمي، وطائر النورس يعرض مؤخر رقبته الضعيفة لخصمه، وهكذا ينتهي الصراع.

العدوان هو السلوك الذي يهدف إلى إحداث ضرر أو ألم جراء عنف جسدي بالمعتدى عليه. على سبيل المثال، قد يتقاتل ذكران من الغوريلا، أو من الكلاب فيستخدمان أسنانهما لإحداث جروح عميقة، وقد يؤدي هذا العنف إلى إصابة خطيرة تصل، أحيانا، حد الموت. ولكنهما بدلا من الهجمات الجسدية الفعلية، كثيرا ما يستخدمان وسائل أخرى لإظهار العنفوان والاستعداد للاقتتال، وتفاديا لذلك فإن الغوريلا تقوم بسلسلة كاملة من السلوكيات لإظهار العدوان. كالضرب بقبضتها على صدرها، والاندفاعة إلى الأمام والخلف، ودك الأرض بأيديها.

ولقد ربط عالم النفس (جيمس ديبس) بين العدوانية وهرمونات الذكورة، مستشهدا بزيادة ارتكاب الرجال للجرائم عن النساء بستة أضعاف. لكن، في دراسة تعد الأحدث من نوعها، أجريت في (نوفوسيبرسك) الروسية، اتضح أن سبب العدوانية لدى الثدييات، ومن بينها الإنسان، يرجع إلى موت عدد كبير من الخلايا العصبية بالمخ، وأن هذا الأمر يبدأ بالحدوث في سن مبكرة من العمر.

أما العالم النمساوي «لورينتس» (مؤسس علم سلوك الحيوان الحاصل على نوبل عام 1973م) فيقرر أن العدوان عند الذئاب لا يدوم بقدر ما يدوم العدوان عند الإنسان. فالذئاب تتقاتل بكل شراسة. ولكن إذا تقاتل ذئبان ورأى أحدهما أنه مغلوب لا محالة، فإنه يسترضي خصمه وينتهي القتال. وغالبا لا يستمر القتال عند الذئاب حتى الموت.
ولكن الإنسان بلغ به العداء ذبح خصمه، وأن يثقب صدر إنسان آخر بقذائف مخصصة للدبابات، وبالمناسبة أول شاب أصيب بإطلاقة على جسر جليانه يوم 15 فبراير اسمه عبد المعين سليمان العنيزي، ومن ذلك الوقت تعالج في عدد من المستشفيات ومات سريريا مرتين، ولكنه متشبث بالحياة، وانتبه الأطباء الذين يعالجونه هناك، على حساب الدولة الأمريكية، إلى نباهته وهمته، فمنحوا له هبة أكاديمية ليواصل دراسته التي ابتدأها في بنغازي، والشاب مقيم في منتجع للمعاقين يمضى يومه بكرسيه المتحرك، يساعد من هم أكبر سنا، ويتواصل بكل من له علاقة في ليبيا. 

كل ذلك وحكوماتنا لا تعلم عنه شيئا! فمازالت خلايا المخ تموت عند الإنسان الليبي وبسرعة عجيبة، لدرجة أننا نتعمد ألاّ نفكر ولو من باب (قيادة الأحوال) بجدية لِمَ استفحل هذا السلوك في (بر الزهر والحنا)، وبالطبع بقية الأشياء الأخرى!