Atwasat

محنة أمة (1)

أحمد معيوف الإثنين 18 يونيو 2018, 01:09 مساء
أحمد معيوف

"لقد صرفت أغلب أوقات حياتي في دراسة الفلسفة الغربية. وغدت رؤية هذه الفلسفة شيئا مألوفا لدي الآن. وعن وعي، وعن لاوعي أيضا، أخضع وقائع الإسلام إلى التحليل من زاوية نظر هذه الفلسفة. وكان من نتيجة ذلك أنني قد لاحظت في العديد من المرات أنني لا أستطيع التعبير عن هذه الإشكاليات بلغة الأوردو.

محمد إقبال

في محاضرة ألقاها أستاذ تونسي تحت عنوان "كانط والإسلام"، استضافتها مؤسسة مؤمنون بلا حدود، تطرق فيها إلى مواضيع عدة ودسمة، إلا أن المحاضرة في مجملها كانت مفككة، أو هكذا بدت لي، وربما تكون حفزت البعض في مراجعة بعض إرهاصاتها، إلا أنها لم تكن على درجة من التماسك تسمح باستخلاص الفكرة التي أراد المحاضر إبرازها.على أن ما شدني في المحاضرة سؤالان استجلبهما المحاضر من واقع المسلمين.

السؤال الأول ذلك الذي طرحه المسلمون في القرن الثامن عشر ويقول: لماذا تقدم الغرب وتأخرنا؟

ويقول السؤال الثاني الذي تطرحه بعض التيارات الإسلامية المعاصرة اليوم: لماذا تخلفنا عن ركب الحضارة رغم أننا "خير أمة"؟.

لا شك أن السؤال الثاني... قياسا على السؤال الأول... يجعلنا نستنتج أن من طرح السؤال الأول هم أكثر عقلانية وأعمق فهما للحضارة من أبناء عصرنا، رغم أنهم تقدموا عنا في الماضي بقرنين من الزمن، بينما

ولجنا القرن الواحد والعشرين ونحن عاجزين عن أن نحافظ على مستوى "التخلف" الذي كنا عليه وقتذاك، بل تدحرجنا إلى هاوية أعمق من تلك.

ما شدني في المحاضرة تساؤلان استجلبهما المحاضر من واقع المسلمين
أجدني أولا أتفق مع الكاتب السعودي عبد الله بن بخيت في مقال له بجريدة الرياض يحاول فيه أن يجد جوابا عن السؤال الأول، ويطرح بخصوصه العديد من الأسئلة. يقول السيد عبد الله بن بخيت: "في ظني المشكلة لا تكمن في الإجابة بل في السؤال نفسه (!...). هل هذا سؤال حقيقي أم سؤال إعلامي أم سؤال سياسي أم سؤال مضلل؟. هل ينطوي على شيء يمكن البحث فيه؟. من هو الغرب ومن هم المسلمون؟. هل السويد وأمريكا شيء واحد؟. هل الصومال وأفغانستان شيء واحد؟ هل القيم التي تنتظم المرأة الإندونيسية هي نفس القيم التي تنتظم المرأة السعودية؟.
نفس السؤال يمكن طرحه لتحديد الفرق بين القيم الأمريكية والقيم السويدية. فسؤال لماذا تخلف المسلمون وتقدم الغرب مبني على افتراضات كثيرة لم يبحث فيها أصلا". ويعترض عبد الله بن بخيت على الإشكالية التي تعترض هذا السؤال ليبين البون الشاسع في ما يطرحه فيقول: "عندما تقارن المسلمين بالغرب كأنك تقارن بين التفاحة والطاولة. لمجرد أن كليهما تنتهي بتاء التأنيث. تقارن ديناً بجغرافيا سياسية". وحتى يعيد السؤال إلى المنطق الذي طرح من أجله يقول: "يمكن أن يتسق السؤال لو أنه طرح على الشكل التالي: لماذا تقدمت الشعوب المسيحية وتخلفت الشعوب الإسلامية؟. هذا السؤال كسؤال يعتبر منطقيا لأنه يقارن أهل دين بأهل دين آخر، ولكنه من حيث المحتوى غير صحيح. ثمة شعوب مسيحية متخلفة". وفي تقدير الكاتب وأتفق معه تماما في هذا التقدير: "أن طرح هذا السؤال أبعدنا عن الرؤية الصحيحة للأمور"، يقول: "إذا ابتعدنا عن الكلام الفلسفي والأكاديمي، وهبطنا إلى التجربة الشخصية، أستطيع أن أقول أن الفرق بين شعوب العالم الثالث والشعوب الغربية يكمن في قيم الحرية وسيادة القانون.".

 كان فعلاً هناك ثنائية الفضاء الإسلامي والفضاء المسيحي كواقع سياسي قائماً فعلياً. وقد فطن ذلك الجيل من الرواد إلى أسباب التخلف الذي دخلت نفقه الدول الإسلامية
إلا أني من ناحية أخرى أخالف السيد بن بخيت، ذلك أن الظروف الموضوعية التي طرح فيها السؤال الأول: "لماذا تقدم الغرب؟" تجيز طرحه بالشكل الذي طرح عليه. ففي زمن طرحه كانت هناك إمبرطورية إسلامية مترامية الأطراف في طور الاحتضار، وامبراطوريات نصرانية قد انتفضت من براثن التخلف. كان فعلا هناك ثنائية الفضاء الإسلامي والفضاء المسيحي كواقع سياسي قائم فعليا. وقد فطن ذلك الجيل من الرواد إلى أسباب التخلف الذي دخلت نفقه الدول الإسلامية. فهذا السؤال يتضمن نقداً ذاتياً ومحاولة لمعرفة الواقع عن طريق تشريح أحداثه، على أن معرفة الواقع وحدها لا تكفي إن لم نضع هذه المعرفة في خدمة مقاربتنا للأجوبة الصحيحة والأسئلة الصحيحة.