Atwasat

حقًا.. من هم الأزلام؟

سالم العوكلي السبت 14 يونيو 2014, 04:18 مساء
سالم العوكلي

كيف استطاع النظام السابق أن يصل بليبيا إلى هذا الواقع السيئ؟ بعد أن استلم على طبق من ذهب دولة تأسست في مدة وجيزة، بمؤسساتها وتشريعاتها وإدارتها، وانبثقت فيها ثروة نفطية هائلة، مع موقع مهم وشعب طموح؟ كيف استطاع عسكري مغامر أن يجهض أحلام الليبيين وفرحتهم بدولتهم التي تحققت للمرة الأولى في التاريخ، بحدودها المعترف بها، وبمضمونها الاجتماعي المتجانس والقابل للتطور ومعانقة العصر؟ بدأ رأس النظام مشروعه التخريبي بتفريغ البلاد من المؤسسات والتشريعات والقوانين الإدارية، و(تطهيرها) من النُخب الثقافية والسياسية والاقتصادية ومن ثم العسكرية، وإطلاق نظريته العبثية، التي سيكون من شأنها أن تلغي بوادر المؤسسات الديمقراطية الناشئة، وتطلق لجانه الثورية، بحجة حماية الثورة، لتعيث خرابًا وبصلاحيات غير محدودة ودون تحمل مسؤولية أفعالها، لأنها غير منصبة وفق قانون، وغير مكلفة بمهام محددة تتحمل مسؤوليتها.

عمل على إلغاء الجيش تحت مقولة الشعب المسلح، وإلغاء الشرطة تحت مقولة الأمن الشعبي، وإلغاء النخب تحت لافتة الجماهير والجمهرة، وتخريب التعليم عبر نظام الترحيل في التعليم الأساسي، وتفكيك الجامعات ونشرها في المدن كافة والقرى، وترسيخ السابع من أبريل كمناسبة سنوية للانقضاض على أي نبض في الجامعة، وربط القبول في الدراسات العليا بالمثابات والمشاركة في اللجان الثورية دون اعتبار لأية مقومات أكاديمية أخرى.

رفع الشعارات الإسلامية ولافتة الجهاد والتكفير لدغدغة المشاعر العامة، وجعل القرآن شريعة المجتمع كشعار فضفاض يعرف استحالة تطبيقه، وفي الوقت نفسه يعطيه شرعية الإسلاموي الذي يتحدى الصليبية ويدعو للجهاد في كل مكان.

ألغى تعليم اللغة الإنجليزية، وحرق الآلات الموسيقية، وحارب الإبداع بكل صنوفه؛ الشعر والسينما وكرة القدم وغيرها، أحرق السجلات العقارية وحارب الملكية الفردية وكل نشاط خاص، أجج النعرات الجهوية والقبلية، وأثار الفتن في كل بقاع الأرض، نشر الفساد في كل مكان دون حساب أو عقاب، بل وشجَّع عليه، سجن المثقفين وأقصاهم من المشهد، وأرسل فرق القتل لاغتيال كل مَن يخالفه الرأي.

هذا بعض مما فعله لينفرد بحكم البلاد والعباد، وليصل بليبيا إلى هذه النهاية التي تجعلنا في مطلع الألفية الثالثة نتحدث عن شرعية الجيش والشرطة، وعن أولويات البنية التحتية في كل القطاعات.

الأزلام هم الذين مازالوا ينفذون مشروع القذافي، حتى وإن كانوا أعداءه أو كانوا في السجون أو المعارضة

هذا ما فعله !!!!!!!! وماذا يفعل ورثته اليوم ومخلصوه الذين جعلوه يحكمنا ميتاً؟.. يمنعون قيام الجيش والشرطة، ويحاربون النخبة، ويكفرون ويغتالون كل مَن يخالفهم الرأي، يحرِّمون الموسيقى والفن عمومًا، يحيلون المدارس إلى ثكنات عسكرية، ينشرون الفساد في كل مكان، ويمنعون الشفافية والرقابة المالية، يغتصبون الأراضي دون احترام للملكية العامة والملكية الخاصة، يتسكعون بالسلاح في الشوارع مثلما كانت تفعل اللجان الثورية ولجان التطهير، يدعون للجهاد مثلما كان يفعل طيلة أربعين سنة، يحرِّمون دراسة اللغات الأجنبية، ويعتبرون كل ما هو أجنبي عدواً مثلما فعل طيلة أربعة عقود؟ فما الفرق؟ وما مصير ثورة دُفعت فيها أعراض ودماء كان هدفها القضاء على كل هذا الزيف وهذا الفساد؟ وأمام واقع مثل هذا ما هو المعنى الحقيقي للأزلام؟ الأزلام هم الذين مازالوا ينفذون مشروع القذافي، حتى وإن كانوا أعداءه أو كانوا في السجون أو المعارضة، ليس الأزلام فقط مَن تقلَّدوا مناصب كبرى في منظومته الإدارية أو أجهزته المختلفة، مع ملاحظة أن الكثيرين ممن عملوا معه كان حسهم الوطني يجعلهم يعملون ضد أفكاره ويحاولون إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

أما معظم مَن يرفعون الآن أصواتهم معلقين كل إخفاق على الأزلام هم مَن يطيلون عمر النظام بتبنيهم -عن وعي أو دونه- مشروعه التدميري للدولة الليبية.