Atwasat

إلى متى يستمر هذا الوضع؟!

عطية الفيتوري السبت 07 يناير 2017, 01:47 مساء
عطية الفيتوري

اقتباس: مشكلة ليبيا ليست اقتصادية ولكنها مشكلة سياسية بامتياز؛ لأن عدم التوافق السياسي معناه استمرار الوضع على ما هو عليه
........
عودة إلى الوضع المعيشي المتردي لليبيين، والمقصود بتردي الوضع المعيشي هو معاناة: ارتفاع أسعار السلع والخدمات ونقص السيولة في المصارف، وانخفاض قيمة الدينار مقابل العملات الأجنبية، بالإضافة إلى فقدان دخل شرائح كبيرة من الليبيين مثل العاملين في الشركات الكبيرة على سبيل المثال لا الحصر، العاملون في مصانع الإسمنت، الأنابيب، الأسلاك الكهربائية، المشروبات، المكرونة، الأعلاف وغيرها كثير.

أيضًا عشرات الآلاف من العاملين الذين فقدوا أعمالهم ومصدر دخلهم، وفوق كل ذلك معاناة المرضى الذين لا يجدون الدواء الضروري لاستمرار حياتهم ولا تسمح لهم دخولهم المتواضعة لشراء هذه الأدوية، والنازحون حتى في المناطق المحررة لأن منازلهم أصبحت أنقاضًا ولا تصلح للسكن فيها.

ما سبب كل هذه المعاناة التي لم تخطر ببال أحد عند قيام ثورة فبراير، بل كان من المتوقع تحسن الوضع الاقتصادي الذي لم يكن على المستوى المطلوب مثل البلدان النفطية المماثلة لليبيا.

هل ليبيا بلد فقير لا يستطيع تأمين حياة كريمة لمواطنيه من الليبيين؟، وهل لا يوجد في ليبيا موارد طبيعية يمكن استغلالها؟

هل تعلم أن متوسط مستوى معيشة الإنسان الليبي أصبح أقل من نظيره في تونس والأردن وربما حتى مصر، وأن نسبة السكان تحت خط الفقر أصبحت أعلى في ليبيا منها في هذه البلدان الثلاثة، لأن متوسط مرتب الموظف الليبي أصبح ما بين 100 إلى 200 دولار شهريًا، لأن الدولار يساوي أكثر من 5 دينارات الآن، وهكذا يومًا بعد يوم يزداد الليبيون فقرًا على الرغم من أن ليبيا دولة نفطية وتصدر الآن أكثر من 500 ألف برميل يوميًا.

إيرادات النفط الآن ومثل الوضع السابق تصب عند المصرف الليبي الخارجي الذي يقوم بتحويلها إلى مصرف ليبيا المركزي في طرابلس، الذي بدوره يسجلها في حساب وزارة المالية بعد تحويلها إلى الدينار.

الآن المصرف المركزي في طرابلس هو الذي يتحكم في رقاب الليبيين، ولا يقوم بفتح الاعتمادات للسلع التي تؤثر في مستوى الأسعار في السوق الليبية، ويتحجج ربما لأنه لا توجد ميزانية معتمدة من السلطة الشرعية عن سنة 2016.

تتعقد المشكلة لوجود خلافات على من بيده السلطة، فإذا كانت تتمثل في مجلس النواب فهذا المجلس أقال المحافظ، وذلك المحافظ لا ينفذ قرارات مجلس النواب الذي أصبح يهادن المجلس الرئاسي بدلاً من مجلس النواب، وهو في رأيي ينفذ تعليمات ربما من جهات أخرى.

ليبيا ما زالت تمتلك ما لا يقل عن 150 مليار دولار الآن، بالإضافة إلى ما تمتلكه من استثمارات عند المؤسسة الليبية للاستثمار وغيرها، التي لا تقل عن 70 مليار دولار.

الواقع أن المشكلة السياسية بين الأطراف المتنازعة هي التي خلقت هذا الوضع المتردي الذي أسهم في خلقه المجتمع الدولي الذي لم يراع ما يريده الليبيون؛ حيث دعم حكومة لا تحظى بدعم كل الأطراف في الداخل.

ما لا يريد أن يراه المجتمع الدولي وما لا يحس به مصرف ليبيا في طرابلس هو: ارتفاع غير مسبوق في مستوى الأسعار، ونقص في السيولة سببه القطاع الخاص، وتوقف الإنتاج في كثير من المصانع في الشرق والغرب بسبب عدم فتح الاعتمادات للواردات من المواد اللازمة، تردي مستوى معيشة أغلب الليبيين، انتشار بعض الأمراض لسوء الخدمات الصحية وعدم توفر الأدوية الضرورية.

الأشخاص المسؤولون عنا لا يشعرون بهذه المشاكل لأن مرتباتهم عالية جدًّا جدًا ولا يدخلون في الشريحة التي الآن دخلها ما بين 100 - 200 دولار في الشهر، وهم يقضون معظم أوقاتهم خارج ليبيا وبالتالي لا يشعرون بالتضخم ولا نقص السيولة.

لا يبدو أن ليبيا تعاني مشكلة اقتصادية طويلة المدى وإنما مشكلتها الاقتصادية يمكن أن تحل في وقت قصير نسبيًا.

الحل هو في التوافق السياسي المفقود الآن، فالاختلاف في وجهات النظر السياسية هو الذي أنتج ما نحن فيه من معاناة ومآسٍ.

إذا مشكلة ليبيا ليست اقتصادية ولكنها مشكلة سياسية بامتياز، لأن عدم التوافق السياسي معناه استمرار الوضع على ما هو عليه، بل إن الأوضاع الاقتصادية لليبيين ستزداد سوءًا، بارتفاع أكبر في الأسعار وانخفاض أكبر في قيمة الدينار في السوق الموازية وتعقد مشكلة السيولة.

فمتى يدرك ذلك السياسيون (الذين أعماهم حبهم للسلطة والمال)، ويبدؤون في توحيد السلطات التشريعية والتنفيذية ليكون للدولة الليبية مجلس نواب واحد وحكومة واحدة ومصرف مركزي واحد، عندها فقط سيكون من السهل تخليص المواطن الليبي من كل المشاكل الاقتصادية التي ذكرناها، ويمكن أن يتمتع المواطن الليبي بالمعيشة الكريمة التي يستحقها.