Atwasat

هل يُصلح "التاج" ما أفسد الدهر؟

محمد الطاهر الحفيان الأحد 13 أبريل 2014, 12:32 مساء
محمد الطاهر الحفيان

تمر ليبيا منذ سقوط نظام القذافي بحالة من الفوضى الشاملة، تراكمت خلالها الأخطاء وازدادت حدة التناقضات بين مكوناتها الاجتماعية والسياسية والأيديولوجية في بيئة انهارت فيها الضوابط والروابط القانونية والأخلاقية بصورة فادحة، ظهرت تجلياتها في غياب الأمن وانتشار الجريمة السياسية والجنائية وبروز ظاهرة التطرف الديني بشكل حاد وخطر.

هذه الحالة من الفوضى العارمة والعجز عن التوافق والتراضي بين "الأطراف"، أدت إلى تزايد الأصوات المنادية بعودة الملكية إلى ليبيا؛ وهي عودة يراها البعض طبيعية وشرعية، وحقًا تاريخيًّا يعود إلى نصابه، فيما يناصرها البعض الآخر باعتبارها المَخَرجَ الأنسب للمأزق الراهن، والحل الذي يمكن بواسطته تلافي الأسوأ، والانحدار أبعد باللجوء إلى الأمم المتحدة وما يترتب على ذلك من تدخل خارجي.

تستهوي الأصوات المتحمسة لعودة الملكية، إضافة إلى كل ذلك، شخصية الأمير محمد الحسن الرضا الهادئة والرصينة، ووضعه المحايد الذي يؤهله ليكون مرجعية تجمع المتفرق وتوحد المجزأ، وتكون ضمانة لنظام مستقر.
وفي المقابل يعلل البعض رفضه الفكرة بكونها استعادة للماضي لا ضرورة لها، في عصر شاخت فيه الملكيات العتيدة وفقدت بريقها وجاذبيتها.

طبيعة الأزمة الليبية وتعقيداتها المتزايدة جعلت البعض يرى عصا الحل السحرية في يد الأمير الحسن الرضا، فيما يجد البعض الآخر مكانها في يد حفتر، بينما يفضِّل آخرون المراهنة على آليات البرنامج القائم لإعادة البناء السياسي بغض النظر عن تعثره و"هفواته".

على الرغم من أن فكرة استعادة الملكية الدستورية، في واقع الأمر، تعد هروبًا إلى الوراء نتيجة استفحال مأزق الحاضر، فإنها ليست استثناءً، بل تعبير طبيعي عن واقع الحال السياسي والديني - الثقافي الذي في مجمله يستمد هويته من الماضي عبر محاولة "إحيائه" أو تبني نماذج معاصرة له.

لا تشكل العودة إلى الماضي ومحاولة استعادته ومعاصرته أي انتكاسة للواقع السائد، نتيجة الضعف الثقافي والحضاري، وعدم تشكل ثقافة وطنية معاصرة يمكن الاتكال عليها، بل إن الهوية الوطنية ذاتها لم تصمد بقدر كافٍ أمام اختبار التحول الذي مرت به البلاد وكشفت الأحداث عن هشاشتها.

واللافت أن الليبيين في حاجة ماسة الآن إلى "رد اعتبار"، إذ أنهم تعرَّفوا أخيرًا من جديد على ما يمكن تسميته بـ"أناهم الجمعية" في فترة ما بعد القذافي، حين تحررت التناقضات والنوازع والشرور، مما أدى إلى حدوث ما يشبه الصدمة لكرامة وطنية متضخمة تشكَّلت في ظروف قسرية، ولأول مرة يكتشف الليبيون وجود أناس بينهم قادرين على ممارسة أقصى أنواع العنف والقتل والتعذيب وكل الموبقات، وأن صورتهم الكلية الراهنة المشوهة تناقض تلك التي تعودوا عليها ما قبل "الحرية".

من جانب آخر، تكتسب فكرة الاستعانة بالملكية الدستورية أهميتها في أنها خيار سلمي، على النقيض من خيارات أخرى معلنة، يحاول أصحابها تمهيد الطريق في انتظار فرصة سانحة لإبعاد خصومهم وحسم معركة السلطة بالقوة.
وعلى الرغم من وجود مؤشرات كثيرة تدل على تزايد إمكانية " التراضي" باللجوء إلى "التاج"، إلا أن ذلك على المستوى النظري فقط؛ وذلك لأن الواقع الذي تَشكَّل بعد إطاحة نظام القذافي معقد وعنيف ويصعب ترويضه بـ"قوة" رمزية معنوية.

طبيعة الوضع القائم بمراكز قواه المسلحة المتعددة، وبوجود سلطة عليا تدير مقاليد الأمور من خارج المؤتمر الوطني العام، تسعى إلى توطيد أركانها بتكييف البُنى السياسية بما يوافق مصالحها، كل ذلك يجعل من فكرة "الملكية المنقذة"، حلمًا بعيد المنال، إلا إذا تمكَّنت "عصا سحرية ما" من تفكيك جميع مراكز القوى وإخضاعها؛ لإفساح المجال أمام العملية السياسية كي تُشكّل، بحرية تامة، مؤسسات الدولة.