Atwasat

«كارنيغي»: ليبيا الأكثر عرضة لمساوئ التغيُّر المناخي.. وصراع النخب السياسية يعوق جهود التكيف

القاهرة - بوابة الوسط: ترجمة هبة هشام السبت 08 يونيو 2024, 03:38 مساء
WTV_Frequency

حمَّل مقال نشره مركز «كارنيغي» للسلام الدولي النخب السياسية والتشكيلات المسلحة في ليبيا الجزء الأكبر من مسؤولية فشل مساعي التكيف مع تداعيات أزمة المناخ، مؤكدا أن ليبيا من البلدان الأكثر عرضة للتداعيات السلبية للتغير المناخي، إذ تأتي في المرتبة الـ126 من أصل 182 دولة في مؤشر البلدان الأكثر هشاشة، وهو ما ينعكس في ندرة المياه وموجات الحرارة المتتالية والجفاف المستمر.

وأكد الباحث فريدريك ويري، في مقاله المنشور أمس الجمعة، أن أزمة الحوكمة والانقسام السياسي والمؤسسي، والتوترات السياسية، والصراع المسلح، فاقمت من هشاشة ليبيا أمام تداعيات تغير المناخ. كما أعاقت أي استجابة متماسكة للتخفيف من آثار الأزمة، وإمكان التكيف معها.

ورأى أن الانقسامات السياسية والصراع بين النخب الحاكمة تتحمل جزءا رئيسيا من انعدام القدرة على التكيف مع أزمة التغير المناخي بسبب انقسام الحكم بين شرق البلاد وغربها، وهو ما يعيق تحقيق أي تقدم على الرغم من بعض التعاون في مجال المناخ.

وقال ويري: «في المناطق الثلاث التي شملها استطلاع أجريته، وهي الجبل الأخضر وجبل نفوسة وفزان، أجمع المشاركون على الإشارة إلى الدور الرئيسي للتشكيلات المسلحة في إضعاف القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية من خلال إدامة الصراع المسلح، وما ينتج عنه من حركة نزوح سكانية، وتعطيل الأنشطة المناخية، وتدمير البنية التحتية».

دور التشكيلات المسلحة في الضعف المناخي
كما أشار إلى دور التشكيلات المسلحة في عرقلة أي جهود للتكيف مع أزمة المناخ بسبب سيطرتها على الوزارات والمؤسسات الرئيسية في شرق البلاد وغربها، وهو ما أسهم بشكل أكبر في الضعف المناخي من خلال الافتراس البيئي، وتحويل مساحات من الغابات إلى مشاريع أكثر ربحية لغسل الأموال مثل الوحدات السكنية ومراكز التسوق والمنتجعات، مع بيع الأشجار المقطوعة كفحم.

وأضاف ويري: «في الجبل الأخضر، تلحق سيطرة القوات التابعة للمشير خليفة حفتر خسائر فادحة بحماية البيئة، وهو ما يتجلى في أنشطة هيئة الاستثمار العسكري، وهي مؤسسة ربحية لعائلة حفتر شاركت في مشاريع غير مشروعة مثل تهريب الوقود وجمع الخردة المعدنية».

وتعد المنطقة في جنوب غرب فزان، الممتدة على مساحة أكثر من 200 ألف كيلومتر مربع، هي الأكثر جفافًا وسخونة وقسوة في ليبيا، وتتميز بتضاريس صحراوية من الكثبان الرملية، والهضاب والجبال البركانية، ومجاري الأنهار الجافة، ومنخفضات الواحات.

وينعكس تأثير الوضع السياسي على الصراعات المسلحة التي تندلع من وقت إلى آخر بين التشكيلات المسلحة في الجنوب غالبا بسبب الوصول إلى الموارد الاقتصادية ذات الأهمية، وأبرزها تهريب البشر والبضائع عبر الحدود، فضلا عن الوصول إلى حقول النفط في المنطقة. ويتسبب التغير المناخي، المتمثل في ندرة المياه، في تذكية الخلافات بالجنوب، وتعظيم الشعور بالظلم الذي يحمله أهل المنطقة للنخب في المناطق الشمالية من ليبيا.

- باحثة أميركية: الأطراف الليبية تحول المياه إلى سلاح باستهداف بنيتها التحتية
- «كارثة درنة».. تطرح تساؤل الجاهزية لمواجهة «مفاجآت المناخ»
- التغير المناخي في ليبيا.. كيف فاقم النزاع السياسي تداعيات الأزمة؟

ندرة المياه في ليبيا
ولفت المقال إلى أن نقص المياه هو الخطر الأكثر إلحاحا فيما يتعلق بالمناخ في ليبيا، مشيرا إلى أنه يجرى سحب 80% على الأقل من إمدادات المياه الصالحة للشرب في البلاد من طبقات المياه الجوفية الأحفورية غير القابلة للتجدد من خلال شبكة أنابيب النهر الصناعي، الذي يعاني بالفعل تدهورا في البنية التحتية، وتبخر المياه في المناطق المفتوحة، ومعدلات سحب غير مستدامة، وكذلك التوزيع غير المتساوي بين المدن الليبية.

كما أشار إلى أن توفير المياه النظيفة الصالحة للاستخدام أصبح مصدرا للمنافسة السياسية والإقليمية والمجتمعية. وتعد البنية التحتية للكهرباء كذلك من الأكثر هشاشة أمام التهديدات المتعلقة بالمناخ، ولا سيما مع ارتفاع درجات الحرارة. ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى تآكل البنية التحتية والدعم الكبير، مما يؤدي إلى معدلات الاستهلاك المرتفعة والانقطاعات المتكررة.

ويعد الاعتماد الكبير على النفط أحد نقاط الهشاشة الإضافية في ليبيا، فالاعتماد الكبير على العائدات النفطية كمصدر أساسي للدخل الوطني خلق قطاعا عاما متضخما، يوظف 85% من السكان، ويترك البلاد عرضة لأي انخفاض مستقبلي في أسعار النفط بسبب التحول إلى الطاقة المتجددة والطاقة النظيفة. كما أن استخدام النفط في توليد الكهرباء جعل ليبيا صاحبة أعلى معدل لانبعاثات الكربون للفرد في أفريقيا.

تدهور مستمر في القطاع الزراعي
إلى ذلك، سلط المقال الضوء على الانكماش الخطير في القطاع الزراعي في ليبيا، وهو انكماش مستمر منذ العام 2011 بسبب التداعيات المتراكمة للصراع السياسي والمسلح، واضطراب سلاسل التوريد العالمية، وارتفاع أسعار الإمدادات الزراعية، وغياب إمدادات مياه متجددة. ويمثل القطاع الزراعي مصدر الدخل الرئيسي لـ22% من السكان في ليبيا.

ويحذر الباحث من أن تراجع الإنتاج الزراعي في ليبيا، الذي مثل أقل من 2% فقط من الدخل القومي في العام 2022، يجعل البلاد عرضة بشكل خطير أمام اضطرابات سلاسل التوريد الغذائية، خصوصا الاضطرابات الناجمة عن التغير المناخي، مشيرا إلى تراجع الاهتمام الحكومي بالقطاع الزراعي خلال السنوات الماضية.

تغيير جذري للوضع القائم
إلى ذلك، يؤكد المقال أن الحجم الهائل للمخاطر التي تتعرض لها ليبيا جراء أزمة المناخ يتطلب تغييرا جذريا في الوضع القائم، مشيرا إلى أن التغير المناخي يفاقم ويسرع بعض أوجه القصور في الحوكمة. كما أنه يخلق صدمات جديدة مثل موجات الحرارة والحرائق والجفاف الممتد.

وقال: «انعدام الأمن المستوطن، والجولات المتعاقبة من الصراع الداخلي بدءا من العام 2014 كانا سببا في إعاقة العمل المناخي والبيئي. وكما أقر ناشط بيئي في العام 2013: من الصعب حشد الدعم العام للأشجار حينما تكون حياة الناس في خطر».

وعلى الرغم من اتفاق الهدنة، ووقف إطلاق النار المبرم في العام 2020 برعاية الأمم المتحدة، يرى الكاتب أن «السلام القائم مجرد سلام هش، تهيمن فيه الجماعات المسلحة على الحياة السياسية والاقتصادية، وتقوم سلالات النخب الفاسدة في كل من شرق وغرب البلاد بتوزيع الغنائم، بينما تخنق حرية التعبير المجتمع المدني، وهي ظروف لا تدعو إلى التفاؤل بشأن التكيف مع المناخ».

وفي ظل الوضع السياسي والأمني المضطرب، يرى الباحث أن جهود التكيف مع المناخ يجب أن تبدأ من حل أزمة المياه، وتحسين بنيتها التحتية، وترشيد استهلاك المياه في أنحاء البلاد، مع استخدام أساليب للزراعة أكثر ترشيدا للاستهلاك، والتحول صوب زراعة المحاصيل الأقل استهلاكا للمياه، واستخدام تقنيات ري مستدامة.

كما يتعين البحث عن مصادر بديلة للمياه الصالحة للاستخدام مثل تحلية المياه. ويشير المقال إلى أن معظم مرافق تحلية المياه في ليبيا، وعددها ستون وحدة، لا تعمل. كما أن الصناعة نفسها تواجه نقصًا في الدعم بسبب مشكلات الصيانة هذه، وتصور تكلفتها الباهظة.

حل أزمة الحوكمة وإدارة الموارد
ويشير الباحث كذلك إلى ضرورة التعامل مع أزمات الحوكمة والإدارة المالية والسياسية التي تترك البلديات في أنحاء ليبيا مع عوائق متجذرة بسبب القيود القانونية والتمويلية، وأبرزها الافتقار إلى التمكين التشريعي لمعالجة التكيف مع المناخ، والحاجة إلى الحصول على موافقة مسبقة لإنفاق الإيرادات بدلا من دمج تدابير تغير المناخ في الموازنة العامة.

ومن أجل تسريع جهود التكيف مع المناخ، تحتاج البلديات إلى قدر أكبر من السلطة، للقضاء على العقبات البيروقراطية من أجل الوصول إلى التمويل الأجنبي والمعدات والخبرة.

ويعود الباحث لتأكيد ضرورة «دمج المجموعات المسلحة، المسيطرة على جميع جوانب الحياة السياسية والاقتصادية، في قطاع أمني يقوم على حكم القانون والمحاسبة»، لكنه استبعد تحقيق ذلك في وقت قريب.

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
هل يقصد «الفيلق الأوروبي»؟.. مسؤول أميركي ينفي التخطيط لنشر قوات في ليبيا
هل يقصد «الفيلق الأوروبي»؟.. مسؤول أميركي ينفي التخطيط لنشر قوات ...
%18 من إجمالي اللاجئين في ليبيا سودانيون.. والكفرة وجهة أولى
%18 من إجمالي اللاجئين في ليبيا سودانيون.. والكفرة وجهة أولى
شاهد.. عون: مؤسسة النفط وراء عدم تعيين خريجي الهندسة
شاهد.. عون: مؤسسة النفط وراء عدم تعيين خريجي الهندسة
الدبيبة يبحث مع رئيس وزراء مالطا التعاون الاقتصادي وفي ملف الهجرة
الدبيبة يبحث مع رئيس وزراء مالطا التعاون الاقتصادي وفي ملف الهجرة
الكيلاني تشارك في مؤتمر «اقتصاد الرعاية الاجتماعية» العربي بالمغرب
الكيلاني تشارك في مؤتمر «اقتصاد الرعاية الاجتماعية» العربي ...
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم