Atwasat

التغير المناخي في ليبيا.. كيف فاقم النزاع السياسي تداعيات الأزمة؟

القاهرة - بوابة الوسط: ترجمة هبة هشام الأحد 09 يوليو 2023, 03:31 مساء
WTV_Frequency

حذر محللون في مؤسسة «كارنيغي» للسلام الدولي من أن ليبيا، التي تعاني نقصا حادا في المياه، معرضة بشكل خطير لتداعيات التغير المناخي، مع تسجيل زيادة سنوية في درجات الحرارة بشكل أسرع من أي دولة أخرى في منطقة شمال أفريقيا.

ولفت الباحثون، في ورقة تحليلية تناولت «مخاطر التغير المناخي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، إلى تزايد العواصف الترابية والجفاف من حيث مدتها وتواترها وشدتها، وتراجع الأمطار من حيث الكثافة، مع آثار مدمرة على الزراعة والصحة والنقل.

وربطوا بين استمرار الصراع السياسي بين النخب في ليبيا وتفاقم تداعيات أزمة المناخ بسبب التأخر في تنفيذ الإصلاحات الحيوية المطلوبة لزيادة قدرة الدولة على مواجهة التغير المناخي، وخلق بيئة مستدامة.

نقص المياه الصالحة للشرب وغرق بنغازي
تعاني ليبيا أزمة في المياه الصالحة للشرب، إذ يجرى استخراج 80% من طبقات المياه الجوفية غير القابلة للاسترداد في أعماق الصحراء الجنوبية عبر النهر الصناعي، لكنها تتلاشى بسرعة بسبب تبخر الخزانات المفتوحة، والاستخراج غير المستدام.

كما ترتفع مستويات البحر على طول الخط الساحلي الطويل لليبيا بما يصل إلى ثلاثة ملليمترات سنويا، اعتمادا على الرياح والتيارات الإقليمية، مما يهدد بغرق مدينة بنغازي الساحلية في نهاية المطاف أو إلحاق أضرار جسيمة بها.

وتحدثت الورقة التحليلية، التي أعدها الباحث فريدريك ويري، عن مشكلتين صارختين متصلتين بالمناخ، وتسهمان في الوضع غير المستقر في ليبيا: أولا اعتماد البلاد على صادرات النفط بشكل أساسي في الاقتصاد، مما تركها عرضة للانخفاض الوشيك في أسعار النفط العالمية الناتج من التحول إلى الطاقة المتجددة.

أما المشكلة الثانية فهي ضآلة القطاع الزراعي، والاعتماد شبه الكلي على الواردات في تلبية ثلاثة أرباع الاحتياجات الغذائية للسكان، مما يجعل ليبيا معرضة بشكل كبير للصدمات التي تصيب سلاسل إمداد الغذاء، بما في ذلك تلك الناتجة من التغير المناخي.

كما تسهم ليبيا بشكل استثنائي في ظاهرة الاحتباس الحراري، فعلى الرغم من قلة عدد سكانها، فإنها صاحبة واحد من أعلى معدلات انبعاث الكربون للفرد في العالم، ويرجع ذلك إلى إهدار إنتاج النفط.

عوامل بشرية تفاقم تداعيات أزمة المناخ في ليبيا
هشاشة ليبيا، وتعرضها للتداعيات السلبية لأزمة المناخ، يرجعان في جزء منهما كذلك إلى عوامل بشرية مثل ضعف الحوكمة، والنزاع المسلح، والبنية التحتية المهملة.

كما أن الخلاف السياسي لعب دورا ملحوظا في تفاقم الأزمة، إذ تغذي أزمة الشرعية السياسية الخلاف بين النخبة الليبية والأطراف الفاعلة الخارجية بشأن ضرورة توحيد البلاد، وإرساء الاستقرار قبل القيام بأي إصلاحات طويلة الأجل، بما في ذلك الإصلاحات المطلوبة لمعالجة التداعيات السلبية للتغير المناخي، وتعزيز الاستدامة.

وأضف إلى ذلك اعتماد البلاد الطويل على العائدات النفطية، مما تسبب في تثبيط الإصلاحات المتعلقة بالمناخ، وفاقم شلل العمل المناخي. وفي تلك الأثناء، فإن الليبيين الأكثر تعرضا للمخاطر المناخية، والأكثر احتياجا للحماية، خاصة أولئك الذين يعيشون على أطراف الجنوب والشرق والغرب، حيث يشهدون مخاطر التغير المناخي بشكل أكبر.

«يونيسف»: التغير المناخي من أكبر التهديدات التي تواجه الأطفال في ليبيا
«الهيدروجين الأخضر».. ما هو ولماذا تهتم به ليبيا؟
وسط غياب الدعم الحكومي.. مناطق كسب العيش في ليبيا تحت رحمة الصدمات المناخية
كيف سيؤثر التغير المناخي في ليبيا؟

تحركات مدنية لمواجهة التغير المناخي
في ظل الانقسام المسيطر على الطبقة السياسية في ليبيا، وتقاعس الحكومات المتتالية عن اتخاذ تدابير واضحة، حسب الورقة التحليلية، تحركت السلطات البلدية في ليبيا إلى جانب مؤسسات المجتمع المدني، لإيجاد طرق لبناء المرونة في مواجهة التغير المناخي.

وتستند كثير من تلك المبادرات، حسب الباحث ويري، إلى الاعتماد على الذات والابتكار التي أظهرها الفاعلون المحليون في الاستجابة لجائحة فيروس «كورونا».

هنا، تؤكد الورقة التحليلية أهمية تسخير وتمكين هذه التعبئة الشعبية من خلال الإصلاحات المتعلقة بالموازنة، والمساعدة الخاصة بالمناخ بالنسبة للسلطات الليبية، وكذلك الحكومات الأجنبية والمنظمات غير الحكومية.

كيف فاقمت سياسات القذافي أزمة المناخ؟
في شأن آخر، ربطت الورقة التحليلية بين استمرار النزاع السياسي في ليبيا وتفاقم أزمة التغير المناخي بها، حيث قالت: «غالبا ما يحمّل الليبيون الفوضى التي أعقبت الإطاحة بمعمر القذافي العام 2011 مسؤولية تعرض البلاد لمخاطر المناخ. لكن الكثير من هشاشة المناخ يمكن أن يُعزى إلى سوء إدارة الموارد، وضعف الإشراف على البيئة».

وألقى الباحث جزءا من مسؤولية التدهور في إصلاحات المناخ على نظام القذافي السابق، إذ أوضح: «تخصيص المياه والكهرباء من خلال الإعانات، والاحتكارات غير الفعالة المملوكة للدولة أديا إلى معدلات استخراج واستهلاك غير مستدامة. كما تسببت مخططاته الزراعية الطموحة في النضوب السريع لطبقات المياه الجوفية الساحلية. هذا بدوره فرض اعتمادا أكبر على المياه التي ينقلها النهر الصناعي».

وأضاف: «كما تسببت سياسات احتكار الأراضي بالثمانينات في تسريع إزالة الغابات في ما يسمى «الحزام الأخضر» حول طرابلس، الذي أبطأ التصحر لعقود. ومنذ وفاة القذافي، تسارعت هذه الاتجاهات بسبب التشرذم السياسي والمؤسسي، والافتراس البيئي غير المنضبط، وتفاقم الفساد، والتدهور السريع للبنية التحتية للكهرباء والمياه».

تعامل النخب السياسية مع أزمة المناخ في ليبيا
في السنوات القليلة السابقة، أشار الباحث في «كارنيغي» إلى أن النخب السياسية على طرفي الصراع كانت بطيئة بشكل صادم في معالجة تغير المناخ، مضيفا أن ليبيا هي الدولة الوحيدة من بين 196 دولة في اتفاقية باريس للعام 2016 التي لم توقع على إسهام محدد وطنيا.

وأضاف: «في ظل حكومة الوحدة الوطنية، كانت ملكية سياسة المناخ موضع خلاف شخصي وفئوي، ولا سيما بين مكتب رئيس الوزراء عبدالحميد الدبيبة ووزارة البيئة، إذ صاغ رئيس السياسة المناخية في مكتب الدبيبة خارطة طريق وطنية للعمل المناخي تغطي التنويع الاقتصادي، والانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة، وتحسين البنية التحتية، للتكيف مع تغير المناخ، لكن الوثيقة لم يجر إصدارها بسبب الخلافات بين رئيس الوزراء والوزارة».

كما أن الهيئات والأجهزة الحكومية التي يجب أن تتولى مهمة التنسيق بشأن المناخ لا تقوم بعملها. وعلى الرغم من وضع خطة للتحول إلى الطاقة المتجددة، والقدرات الهائلة التي تملكها ليبيا في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، فإن البلاد لم تحرز سوى تقدم ضئيل في تلك الجبهات بسبب غياب التنافسية في القطاع الخاص، والإجراءات البيروقراطية.

وضع مأساوي في شرق وجنوب ليبيا
حذرت الورقة التحليلية بصفة خاصة من سوء الأوضاع في مناطق شرق وجنوب ليبيا، متوقعة أن يضاف الغضب من تقاعس الحكومة عن مكافحة تغير المناخ إلى قائمة المظالم الكبيرة بالفعل. ويدرك الليبيون تماما أن الآثار المزعجة للتغير المناخي تتفاقم بسبب المشاكل المنهجية لسوء الإدارة. ففي الماضي، زاد انقطاع التيار الكهربائي فترات طويلة جراء التنقيب عن المياه الجوفية باهظ التكلفة. كما أنه أعاق عمليات الري.

بالمثل، تعطل العواصف الرملية والترابية حصاد المحاصيل ونقلها، ولكن هذه العواصف تتفاقم بحد ذاتها بسبب سوء إدارة التربة السطحية وإزالة الغابات. أضف إلى ذلك الآثار المدمرة للنزاع المسلح على الأراضي الزراعية.

تخزين المياه والتدهور السريع لجودتها
الباحث فريدريك ويري أشار، في ورقته التحليلية، إلى أن تخزين المياه والتدهور السريع في جودتها من المخاطر المتعلقة بالتغير المناخي، حيث أصبحت تداعياتها الاجتماعية ملموسة بشكل متزايد في أنحاء ليبيا.

وتظل مسألة توصيل المياه من النهر الصناعي مشكلة مركزية، حيث تشتكي مختلف المناطق من نقص الكميات التي لا تكفي الاحتياجات المحلية، إلى جانب البنية التحتية المتدهورة والتوزيع غير القانوني والنهب.

وفي أماكن أخرى، لا يزال الجفاف والتصحر والفيضانات وحرائق الغابات مصدر قلق للبلديات. ففي بلدة غات الجنوبية الغربية، على سبيل المثال، أُجبر 2500 شخص على الفرار من منازلهم في أثناء الفيضانات المفاجئة الناجمة عن الأمطار الغزيرة. بينما في الشمال هددت حرائق الغابات في جبال نفوسة والجبال الخضراء المحميات الطبيعية والمحاصيل، مما استلزم إرسال معدات مكافحة الحرائق من إيطاليا واليونان.

مواجهة تداعيات التغير المناخي في ليبيا
لمواجهة تلك التحديات السالف ذكرها، لفت الباحث إلى المبادرات المكثفة التي نفذتها البلديات ومؤسسات المجتمع المدني، وعمل هؤلاء لإنتاج معدات واقية، وتوزيع مجموعات الاختبار، والتوعية بالصحة العامة.

في بعض الأحيان، تلقى تلك الجهود دعم الحكومات الغربية والمنظمات المتعددة الأطراف، في إطار برامج ومبادرات تستهدف زيادة التوعية بالتغير المناخي، والتداعيات المصاحبة له.

وهنا، أشاد الباحث في مؤسسة «كارنيغي» بالجهود الشعبية، لبناء القدرة على الصمود أمام تغير المناخ، داعيا إلى تمكينها من خلال المزيد من الدعم الإداري واللامركزي والقانوني، وكذلك من خلال زيادة المساعدات الدولية، ومن المنظمات غير الحكومية.

وعلى الرغم من جهودها المضنية، تواجه المؤسسات العاملة في مجال تغير المناخ عقبات عدة، على رأسها التهديد من الجماعات المسلحة التي استغلت النقص المرتبط بالمناخ في الموارد مثل الكهرباء والمياه، واستهدفوا نشطاء المجتمع المدني.
 

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
المقريف: باقات «اتصالات وإنترنت» مجانية ومدعومة لقطاع التعليم
المقريف: باقات «اتصالات وإنترنت» مجانية ومدعومة لقطاع التعليم
المصرف المركزي يطبع «أوراق بنكنوت» بخمسة مليارات دينار
المصرف المركزي يطبع «أوراق بنكنوت» بخمسة مليارات دينار
حكومة حماد تتمسك بتفعيل الاتحاد المغاربي بدُوله الخمس دون إقصاء
حكومة حماد تتمسك بتفعيل الاتحاد المغاربي بدُوله الخمس دون إقصاء
النائب العام يبحث تطورات تحقيق «الجنائية الدولية» في «انتهاكات ترهونة»
النائب العام يبحث تطورات تحقيق «الجنائية الدولية» في «انتهاكات ...
إحباط تهريب أكثر من 40 ألف لتر وقود كانت متجهة إلى الحدود الجنوبية
إحباط تهريب أكثر من 40 ألف لتر وقود كانت متجهة إلى الحدود ...
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم