أرجع تقرير فرنسي بداية مشاعر العداء لباريس في منطقة غرب أفريقيا إلى بداية التوترات الأمنية في ليبيا العام 2011 والتي يعتقد سكان هذه البلدان المجاورة التدخل الفرنسي سببا مباشرا في تدهور الأوضاع بها.

وأشار تقرير لجريدة «لوموند» الفرنسية نشر مساء الجمعة، إلى الأسباب الجذرية لهذه المشاعر المتزايدة وعواقبها، مع تأكيد الحاجة إلى إعادة تقييم النهج الفرنسي في غرب أفريقيا حيث شهدت تصاعدا، الأمر الذي أثار مخاوف عميقة بين الدول والقادة والمراقبين.

توابع تدخل فرنسا في ليبيا العام 2011
ووفق التقرير، «أسهم دور فرنسا في الصراع الليبي في زيادة المشاعر السلبية، فيما كان لمشاركتها في الإطاحة بمعمر القذافي العام 2011 تداعيات لا تزال قائمة، إذ أدى إلى فراغ في السلطة واستمرار العنف في المنطقة، لا سيما أن الكثيرين في غرب أفريقيا ينظرون إلى هذا باعتباره تدخلًا من جانب فرنسا في الشؤون الداخلية لدول ذات سيادة».

وشكل السياق التاريخي أمرا ضروريا لفهم المشاعر السائدة المعادية لفرنسا، إذ كانت العديد من دول غرب أفريقيا مستعمرات فرنسية في السابق، ولا يزال إرث الاستعمار يلوح في أفق المنطقة.

- سفير فرنسا في مقابلة مع قناة «الوسط»: لا نزاحم إيطاليا في ليبيا
- مندوب فرنسا: يجب إجراء الانتخابات في ليبيا لتجاوز حالة النزاع على الشرعية
- فرنسا تنسحب من أفريقيا الوسطى وتفسح المجال لروسيا والصين

كما امتد نفوذ فرنسا من خلال اللغة والثقافة والأنظمة السياسية، تاركا إرثا معقدا يثير مزيجًا من المشاعر بين سكان غرب أفريقيا، إذ لم يتم نسيان مرارة الاستغلال الاستعماري وعواقبه الدائمة.

تشكيك في أهداف باريس
وقوبلت التدخلات العسكرية الفرنسية في منطقة الساحل، والتي تهدف إلى «مكافحة الإرهاب وعدم الاستقرار» بالتشكيك والانتقادات، وسط تساؤل دول غرب أفريقيا عما إذا كانت هذه التدخلات خلفت تأثيرا إيجابيا، أم أنها أدت بدلا من ذلك إلى تفاقم مشاكل المنطقة.

وكثيرا ما يُنظر إلى الدعم الفرنسي للقادة في المنطقة على أنه يعطي الأولوية للاستقرار على القيم الديمقراطية، مما أدى إلى اتهام فرنسا بدعم القادة الذين لا يضعون مصالح شعوبهم في قلوبهم، لذلك كثيرًا ما يمتد الاستياء العام من هؤلاء القادة إلى مشاعر معادية لفرنسا، فيما يُنظر إلى باريس على أنها متواطئة في الحفاظ على الأنظمة.

14 دولة أفريقية تحت دائرة الاستغلال الاقتصادي
وتعتبر الصحيفة الفرنسية أن عملة الفرنك الأفريقي تعد واحدة من أكثر القضايا المثيرة للجدل التي تسهم في المشاعر المعادية لفرنسا، إذ يجري استخدام الفرنك في 14 دولة أفريقية، معظمها مستعمرات فرنسية سابقة.

ووفق المزاعم، فإن هذا يديم التبعية الاقتصادية ويحد من سيطرة هذه البلدان على سياساتها النقدية، إذ تزايدت الأصوات المطالبة باستبدال فرنك الاتحاد المالي الأفريقي بعملة أكثر استقلالية، كما أن استمرار استخدام الفرنك الأفريقي يزيد من الشعور بالاستغلال الاقتصادي.

وفي ظل استمرار تزايد المشاعر المعادية لفرنسا، شهدت العديد من دول غرب أفريقيا احتجاجات ومظاهرات ضد النفوذ الفرنسي.

وأصبح المواطنون، لا سيما جيل الشباب، أكثر صخبًا في التعبير عن عدم رضاهم عن الدور الذي تلعبه فرنسا في المنطقة، إذ إنهم يطالبون بإعادة تقييم الوضع الراهن، وهم مصممون بشكل متزايد على رؤية التغيير.

ضرورة إعادة نهج فرنسا في غرب أفريقيا
وقالت «لوموند» إنه من الضروري أن تعيد فرنسا تقييم نهجها في غرب أفريقيا، إذ يجب أن تكون للدبلوماسية والتعاون والاحترام المتبادل الأسبقية على التدخلات العسكرية ودعم القادة المستبدين. ومن الممكن أن يكون الحد من البصمة العسكرية في المنطقة خطوة مهمة نحو إعادة بناء الثقة.

ويعتقد التقرير أن المشاعر المتصاعدة المعادية لفرنسا في غرب أفريقيا هي قضية متعددة الأوجه ذات جذور تاريخية عميقة ومحفزات معاصرة، مؤكدا أنه يجب على فرنسا الاعتراف بهذه المخاوف، والعمل على إقامة علاقة أكثر إنصافًا وتعاونًا مع دول المنطقة.

وختمت الجريدة: «ستكون معالجة المخاوف الاقتصادية والسياسية والأمنية لدول غرب أفريقيا أمرًا بالغ الأهمية للتخفيف من المشاعر المتنامية المعادية لفرنسا، وتعزيز شراكة أكثر إيجابية».