Atwasat

في غياب الشفافية والإنفاق بلا رقيب.. مخاوف من دخول أموال الإعمار «ساحة الفساد»

الجزائر - بوابة الوسط: عبدالرحمن أميني السبت 14 أكتوبر 2023, 08:05 مساء
WTV_Frequency

على الرغم من الظرف الاقتصادي الصعب التي تعيشه ليبيا منذ سنوات، تغيب قواعد الشفافية والإفصاح عن نفقات السلطات التشريعية والتنفيذية في ليبيا طيلة هذه السنوات، ورغم تقارير الجهات الرقابية الكاشفة للفساد لم يجر الحد من تجاوزات صرف المال العام، التي يصعب تقليصها في غياب سلطة حكومية منتخبة وموحدة.

وتحت ضغوط غربية وأممية، وفي سياق سياسة الإفصاح التي تبناها مصرف ليبيا المركزي، أصبحت الأرقام الخاصة بنفقات المؤسسة السيادية في الدولة، ممثلة في حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» والمجلس الرئاسي، بالإضافة إلى مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، تلفت الانتباه بسبب توسعها، والتي تندرج ضمن باب الإنفاق الحكومي الذي يعد إنفاقا استهلاكيا لا انعكاس له على الشؤون المعيشية للمواطنين، وتحسين مختلف الخدمات في أنحاء البلاد.

نفقات مثيرة للجدل
ويرى متابعون للشأن الليبي أن من أكثر الأجزاء بتقرير مصرف ليبيا المركزي إثارة للجدل «تخصيصه ثلاثة مليارات و755 مليونا و764 ألفا و603 دنانير ليبية نفقات للجهات التشريعية والتنفيذية خلال الفترة من الأول من يناير حتى نهاية سبتمبر الماضي، من بينها ملياران و25 مليونا و925 ألفا و594 دينارا لباب الرواتب، تمثل نحو %53.9 من إجمالي الإنفاق خلال تلك الفترة».

وحصلت حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» والجهات التابعة لها على مليارين و63 مليونا و669 ألفا و945 دينارا خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري.

أما المجلس الرئاسي والجهات التابعة له فحصل خلال تلك الفترة على 523 مليونا و294 ألفا و322 دينارا ليبيا، من بينها 440 مليونا و127 ألفا و655 دينارا مخصصات الرواتب فقط. وبشأن مجلس النواب والجهات التابعة له، خصص له مليار و109 ملايين و724 ألفا و485 دينارا خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، من بينها 659 مليونا و446 ألفا و840 دينارا للرواتب.

أما إنفاق المجلس الأعلى للدولة خلال تلك الفترة فبلغ 59 مليونا و75 ألفا و850 دينارا، من بينها 26 مليونا و575 ألفا و851 دينارا لباب الرواتب.

إنفاق مليارات الدولارات بلا طائل
وحسب المتابعون، «تستنزف هذه الأجسام مجتمعة مصروفات سنوية تقدر بمليارات الدولارات من دون أن يكون لها إسهام في حل المعضلات السياسية والاقتصادية لليبيا. على العكس، تعقّد من الحلول المقترحة لإنهاء المرحلة الانتقالية، وهو ما يستدعي ضرورة تقليصها لحكومة موحدة، تراقب عملها مؤسسة تشريعية منتخبة».

لكن في ليبيا توجد حكومة أخرى غير معترف بها دوليا منذ اختيارها من مجلس النواب في فبراير 2022، إلى جانب المجلس الرئاسي والمجلس الأعلى للدولة. وبينما تصرف الحكومة الموقتة وفق قاعدة «1/12»، أقر مجلس النواب قبل أسابيع الميزانية العامة للدولة للعام الجاري 2023 المقدمة من حكومة أسامة حماد المعينة من المجلس. وقال: «أوجه صرف الميزانية ستكون موحدة على مستوى الدولة الليبية في ظل توحيد المصرف المركزي».

في المقابل، فإن الإنفاق على وزارة الدفاع والداخلية وجهات أمنية تتبع حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة»، وجهات أمنية أخرى تتبع المجلس الرئاسي هو الآخر، يشهد ارتفاعا، وتغيب عنه الشفافية، حيث شرحت هيئة الرقابة الإدارية، في تقرير لها لعام 2022، أن مصروفات وزارتي الدفاع والداخلية تتضمن «فسادا إداريا وماليا» في الصرف والعهد المالي.

نفقات ضخمة للأمن
وخلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي، سجلت مصروفات وزارتي الدفاع والداخلية 5.38 مليار دينار، أو ما يعادل 1.11 مليار دولار.

بينما بلغت مخصصات وزارة الدفاع 1.39 مليار دينار، ووزارة الداخلية 2.04 مليار دينار، وجهات أمنية تابعة للمجلس الوزارى 450 مليونا، وجهات أمنية أخرى للمجلس الرئاسي 287.2 مليون دينار.

وتشكل الرواتب والأجور من حجم الإنفاق 86.7 % من المجموع الكلي للإنفاق الدفاعي، وفق بيانات مصرف ليبيا المركزي بطرابلس ووزارة المالية.

ويبلغ عدد العاملين في وزارة الدفاع 205 آلاف عنصر، بالإضافة إلى 190 ألف عنصر تابعين لوزارة الداخلية في حكومة «الوحدة الوطنية المؤقتة». غير أن البيانات حول عدد الجنود التابعين لقوات «القيادة العامة» الذين يتقاضون رواتب أيضا من موارد الدولة غير متوافرة.

ويؤثر تعدّد الأجهزة الأمنية والمسلحة في ليبيا على الاقتصاد الوطني. فعلى الرغم من هذا الإنفاق، فإن المخصصات المالية للمعدات العسكرية اللازمة لنشر الأمن تعد ضئيلة، وذلك بناء على تصريحات مسؤولين يشكون من عدم توافر مختلف التجهيزات، علما بأن موقع «غلوبال فايزر» الأميركي كشف أن ليبيا تحتل المرتبة الثالثة أفريقيا والـ51 عالميا في حجم الإنفاق الدفاعي في العام 2023 بنحو 3.5 مليار دولار.

وتعثر توحيد أهم مؤسسة سيادية ضمن اللجنة العسكرية المشتركة «5+5» أسهم في تشتيت موازنة الإنفاق غير المعتمدة على «حقيبة الدفاع» بين رئاستي الأركان في غرب وشرق ليبيا.

أموال الإعمار مساحة جديدة للفساد؟
وأخيرا، ظهر سباق الإنفاق العام في خطة إعمار المدن المتضررة من كارثة العاصفة «دانيال» التي ضربت مناطق شرق ليبيا، حيث اتجه كل طرف في بنغازي وطرابلس نحو تخصيص أموال لإعادة الإعمار وتعويض المتضررين، الأمر الذي يثير المخاوف من إهدار تلك الأموال أو أن تجد طريقا نحو النهب مثلما وقع لمخصصات مالية أخرى مثل شأن ملف الكهرباء، المشكلة التي يعانيها الليبيون دوريا طيلة 12 عامًا ولا سيما في فترة الحرارة، مع أن حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» أعلنت إنفاق نحو 600 مليون دولار خلال العام 2022 على دعم الكهرباء.

- مخالفات مالية بالجملة في «الحكم المحلي» مع غياب خطط التنمية
- صراع السلطة في ليبيا يمتد إلى الأموال وعائدات النفط
- «المركزي» ينهي سنوات الانقسام.. والجميع يترقب «شفافية» الإنفاق الحكومي
- واشنطن توصي حكومة الوحدة بـ8 خطوات لتحسين الشفافية المالية

وتعتمد ميزانية الدولة على عائدات النفط والغاز بشكل يكاد كليا، حيث يظل إنتاج المحروقات جزءا أساسيا من المستقبل الاقتصادي في ليبيا، إذ يشكل نحو 95 % من صادرات وإيرادات الحكومة، وفق صندوق النقد الدولي.

ودعا الصندوق إلى وضع إستراتيجية اقتصادية تحدد مسارا مستقبليا واضحا، وحشد التأييد العام لخطة تستهدف استخدام الإيرادات النفطية على النحو الأمثل في تنويع الاقتصاد، والابتعاد عن سياسات حقبة القذافي التي كان تعزز سلوك السعي للكسب الريعي والفساد واللاشفافية على مستوى الحكومة.

ويتوقف نجاح الإصلاحات على الوصول إلى بيئة سياسية وأمنية مستقرة، وتطوير القدرات المؤسسية، ذلك ينبغي أن تركز جهود الإصلاح الهيكلي على تقوية المؤسسات وتعزيز سيادة القانون.

مطالب بميزانية شفافة وخفض إجمالي النفقات
ولتحقق هذا الهدف، تحتاج ليبيا بشكل عاجل إلى ميزانية شفافة، وتخفيض التكاليف المقترنة بارتفاع الإنفاق على أجور القطاع العام وإعانات الدعم، إذ تهيمن رواتب القطاع العام على الإنفاق الحكومي، حيث إن هناك نحو 2.2 مليون نسمة – أي ثلث السكان – يعملون نظريا في القطاع العام.

وينتظر أن يقود توحيد المصرف المركزي، المعلن في أغسطس الماضي، إلى معالجة الاختلالات الموجودة في الإنفاق. فمنذ العام 2014، انقسم المصرف المركزي إلى مؤسستين: الأولى في العاصمة طرابلس، وتحظى باعتراف دولي، برئاسة الصديق عمر الكبير، والثانية في شرق ليبيا برئاسة نائب المحافظ علي الحبري، قبل إقالته من مجلس النواب، واختيار مرعي مفتاح رحيل بديلا له.

وأعاق وجود فرعين متنافسين تنفيذ سياسة نقدية موحدة، وتسييل الأموال إلى جهة حكومية موحدة، مما دفع المحرومين في شرق البلاد من الميزانية إلى إغلاق آبار وموانى تصدير النفط، في محاولات متكررة لحصولهم على نصيبهم من كعكة الإنفاق.

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
شاهد في «اقتصاد بلس»: رغم مشاريع إعادة الحياة.. طرق طرابلس تختنق
شاهد في «اقتصاد بلس»: رغم مشاريع إعادة الحياة.. طرق طرابلس تختنق
وكالة أممية: السودانيون الفارون من الحرب يقيمون في أكثر من 50 مخيمًا غير رسمي بالكفرة
وكالة أممية: السودانيون الفارون من الحرب يقيمون في أكثر من 50 ...
شاهد في «هنا ليبيا».. شابة ليبية تتحصل على رخصة طيران خاص
شاهد في «هنا ليبيا».. شابة ليبية تتحصل على رخصة طيران خاص
شاهد في «وسط الخبر»: بنغازي عاصمة الثقافة الإسلامية.. بين التقليل والتهليل
شاهد في «وسط الخبر»: بنغازي عاصمة الثقافة الإسلامية.. بين التقليل...
الجيش الجزائري: آلية التشاور مع ليبيا وتونس كفيلة بقطع الطريق أمام التدخلات الأجنبية
الجيش الجزائري: آلية التشاور مع ليبيا وتونس كفيلة بقطع الطريق ...
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم